ولي العهد وانتصارات اليوم األول
تـغـيـر الــعــالــم وتــغــيــرت مـعـه لـغـة الـسـيـاسـة والدبلوماسية، واألذكياء هم من يستطيعون التعامل مع هذا الواقع لتحقيق مصالحهم وحماية مكتسباتهم. اللغة اإلنشائية والكالم املــرســل واملصطلحات الفضفاضة لــم تعد ذات جـــدوى في الزمن الديناميكي واملراحل املتسارعة بأحداثها ومتغيراتها املفاجئة التي تحتاج إلـى خطاب واضــح يستند إلـى رؤية واضـحـة لتحقيق أهـــداف واضـحـة مــحــددة، وهــذا بالضبط ما تتصف به الدبلوماسية السعودية الجديدة في تعاملها مع العالم، ولو أخذنا مثاال على ذلك الزيارة التي يقوم بها اآلن ولـي العهد األمير محمد بن سلمان للواليات املتحدة األمريكية لوجدنا الدليل الواضح على هذه الحقيقة. حديث األمـيـر محمد مـع الرئيس دونـالـد ترمب فـي املكتب البيضاوي كــان حديثا مباشرًا مختصرًا لكنه عميق جدًا ومتصف بالوضوح والثقة ومعبر عن رؤيــة اململكة تجاه عالقتها مـع أمريكا ومــا تـريـده منها وتتطلع إليه لتقوية وترسيخ هذه العالقة بما يخدم مصالحها ويحقق االستقرار في محيطها ويضمن لها االستمرار بنجاح في مشروعها التنموي الحضاري. الزيارة سبقتها تحضيرات كثيفة على كل املستويات وعرض مطالب اململكة بالحيثيات واألسباب واملبررات التي تؤكد موضوعية وأهمية هذه املطالب، ليأتي وجود األمير بعد تلك التحضيرات تأكيدًا عليها وتحقيقا لها. لقد تجلت نتائج الــزيــارة منذ الـيـوم األول لـهـا، االستقبال االسـتـثـنـائـي لــولــي الـعـهـد فــي الـبـيـت األبــيــض كــان اإلشارة األولى على املسار اإليجابي املهم الذي تمضي فيه الزيارة، وحــديــث الـرئـيـس تـرمـب عــن متانة الـعـالقـة التأريخية بني الـبـلـديـن والــصــداقــة الـتـي تـربـطـه بــقــادة اململكة واالنطباع الــجــمــيــل الــــذي خـــرج بـــه مـــن زيـــارتـــه الــتــأريــخــيــة للمملكة، وتأكيده على أهمية قمة الرياض في مايو ٧١٠٢ واستمرار العمل لتنفيذ نتائجها في مكافحة اإلرهاب ومواجهة الدول الراعية لـه، كل ذلـك كـان تأكيدًا على سير اإلدارة األمريكية الحالية فـي الطريق اإليـجـابـي العقالني الــذي تمضي فيه املـمـلـكـة لـحـمـايـة الــعــالــم مــن شـــرور اإلرهـــــاب، وأمـــا الجانب اآلخر املهم الذي ال بد من اإلشارة إليه هو نتيجة لقاء األمير بـاملـؤثـريـن فــي مجلسي الـشـيـوخ والــنــواب الـتـي تمثلت في تأييد استمرار مشاركة الواليات املتحدة في دعم التحالف الــذي تقوده اململكة الستقرار اليمن بتخليصه من فوضى ميليشيا الحوثي املدعومة من إيران وإنهاء تهديدها ألمن اململكة. هذه نتائج وانتصارات اليوم األول للزيارة فقط وفي جانب واحد، وسوف تتوالى النتائج اإليجابية طوال أيام الزيارة لتؤكد أن اململكة فـي مرحلتها الـجـديـدة تـعـرف مــاذا تريد وكيف تحقق ما تريده بلغة وأساليب ووسائل الدبلوماسية املتفوقة التي تجيدها.