Okaz

واشنطن.. من البحيرات املرة إلى القهوة املرة !

- محمد الساعد @massaaed m.assaaed@gmail.com

في العام 1945 التقى امللك عبدالعزيز بالرئيس األمريكي فرانكلني روزفلت، كان اللقاء استثنائيا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فأمريكا العمالق الــقــادم مــن وراء املـحـيـط تـبـحـث عــن فــضــاء جــديــد بـعـدمـا بقيت مــعــزولـ­ـة عـــن الــعــالـ­ـم طــــوال 200 عـــام مـــن تــأســيــ­ســهــا، والفارس «عبدالعزيز» يأتي من وراء الصحراء حاملا ببناء دولته الفتية وحمايتها من أعدائها الكثر. معارك التوحيد املنهكة التي خاضها «املؤسس» بيدين عاريتني إال مــن إيـمـانـه وشجاعته هــي مــن حـولـت املستحيل إلــى حقيقة مدهشة حني قضى أكثر من 50 عاما من حياته، ممتطيا جواده وشاهرا «قلبه» وحكمته وعقله الكبير إلنشاء وطـن حديث، في املـقـابـل جــاء روزفــلــت هــو اآلخـــر مــن دولـــة منهكة بسبب الكساد العظيم وأجبرته الظروف الدولية لخوض الحرب العاملية الثانية نيابة عن العالم الحر على الرغم من حرصه على أن تكون دولته محايدة. االجتماع جاء حميما على الرغم من مرارة البحيرات املرة حيث وقـع اللقاء التاريخي، كـان لـدى الزعيمني العظيمني الكثير من األشياء املشتركة التي أثمرت عنها نتائج االجتماع ببناء تحالف إستراتيجي استمر لليوم. بعد 72 عاما التقى حفيد املؤسس مع الرئيس األمريكي دونالد تـرمـب فــي الـعـاصـمـ­ة الـسـعـودي­ـة الــريــاض، حـيـث قـدمـت للضيف الكبير القهوة العربية املرة، وأيضا وبالرغم من مرارة القهوة جاء اللقاء مبهجا ومثمرا كما كان لقاء الجد وروزفلت. وعند وصول األمير محمد إلى البيت األبيض، وصف ترمب خالل كلمته األمير بـ «الصديق العظيم»، فاألمير محمد وترمب لديهما أيضا الكثير من األشياء املشتركة لعل أهمها الصراحة الكاملة دون رتـوش، وطموحهما الكبير لبلديهما اقتصاديا وعسكريا، كما يريدان إعادة بلديهما إلى صدارة املشهد الدولي، وكأن الزمن يـعـود مـن جـديـد، وكــأن األرواح الـتـي تـالقـت فـي الـبـحـيـر­ات املرة تلتقي بانية نفس التحالف ونفس الثقة. مـــن املــتــوق­ــع أن تــثــمــر هــــذه الــعــالق­ــة «املـــتـــ­جـــددة» بـــني القائدين الـكـبـيـر­يـن عــن ردم الــهــوة الـسـحـيـق­ـة الــتــي تـسـبـب فـيـهـا الرئيس األمـريـكـ­ي السابق بـــاراك أوبــامــا، عندما حــاول فـك االرتــبــ­اط بني الـريـاض وواشنطن واستبداله بـإيـران، وهـو مـا أكـد عليه ترمب صراحة في بيان استقباله واعــدا باستئناف «املـحـور» كما كان وربما أقوى. الـــيـــو­م يـــــزور ولــــي الــعــهــ­د الـــســـع­ـــودي واشــنــطـ­ـن واملــمــل­ــكــة تعيد هيكلة بنيتها االقتصادية واالجتماعي­ة وترسخ دورهـا الدولي واإلقليمي كقائدة للعالم اإلسـالمـي املتسامح وحامية للفضاء العربي من أطماع دول التخوم األعجمية والتنظيمات اإلرهابية والدول الصغيرة العميلة لها. ال شــك أن االقــتــص­ــاد سـيـكـون هــو الــرافــع­ــة الـكـبـرى فــي التحالف السعودي األمريكي في شكله الجديد، فاململكة ال تــزال هي أهم مزود للطاقة في العالم، وهي عمود التوازن في السوق العاملية ولوال حكمة الرياض النهارت دورة االقتصاد واإلنتاج والشراء، إضــافــة إلــى رغبتها فــي بـنـاء اقـتـصـاد يــشــارك الـعـالـم وأن تكون نقطة االتصال «اللوجستي» بني الشرق والغرب، ومكانا مفضال للسياحة العاملية. في الطرف اآلخـر من معادلة التحالف السعودي األمريكي يبرز أمن السعودية واملنطقة الذي تهدده طهران وأدواتها بكل وقاحة، إذ لطاملا قالت الرياض إن العالم الغربي وخاصة الواليات املتحدة األمريكية في عهد أوباما وأملانيا وفرنسا قدموا لإليرانيني ما ال يملكونه ملن ال يستحقه. فقد قـام أوباما وفريق عمله وحلفاؤه بإعادة تعويم أكبر دولة صانعة لـإلرهـاب ووقــع معها واحــدا مـن أســوأ اتـفـاقـات التاريخ حينما سمح لها باستكمال برنامجها الــنــووي دون أن يتأكد مـن أن هــذه الــدولــة ستتخلى عـن طموحاتها اإلرهـابـي­ـة وتلتزم بالسالم. ولـعـل مـن سـخـريـات ذلــك االتــفــا­ق املعيب أن إيـــران كـافـأت العالم بمزيد من اإلرهاب في سورية والعراق واليمن، لقد وصل عدد من تسببت طهران في قتلهم منذ االتفاق وحتى اليوم أكثر من مليون عربي هذا وهي لم تنتج القنبلة النووية بعد. الرياض تقدم نفسها في لندن وواشنطن وموسكو وفي عواصم العالم ليست كدولة تنتج النفط وتأكل مما تبيع آخر اليوم، بل شريكة للعالم الحر في بناء املستقبل، مسؤولة عن حماية نفسها وشـعـبـهـا وعـاملـهـا الـعـربـي مــن أيــة مـخـاطـر مـحـدقـة، وهــي تقول بصريح العبارة «نحن كالعسل املصفى ملن ساملنا وأمر من السم الزعاف ملن عادانا».

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia