م َـرم َـشـة
هذه الكلمة الحجازية الرائعة معناها االلتهام الــتــام. وتنطبق عـلـى الـوجـبـات الـرائـعـة جدا، أو عــنــد حــــاالت الــجــوع الــشــديــد. وفـــي بعض األحــيــان تنطبق عـلـى حـــاالت عـجـيـبـة... وإلــيــكــم بـعـضـا من األمثلة العجيبة: عندما تتزاوج بعض من أنــواع العناكب، تـمـارس أنثى العنكبوت الشهيرة باسم «األرمــلــة السوداء» أحــد أغــرب أنــواع الشراسة تبدأ بمرمشة زوجـهـا، وتحديدا فتبدأ بأكل رأسه. جدير بالذكر هنا هو التباين الرهيب في الـحـجـم، فـبـاملـقـيـاس اآلدمــــي حـجـم األنــثــى هـنـا يــفــوق حجم حوالي 3 سيارات الندكروزر نسبة إلى حجم الزوج الغلبان الذي «يطير رأسه» بمعنى الكلمة. وأمـــا املــثــال الـثـانـي فـهـو مــن أمـثـلـة الــنــذالــة فــي عـالـم البشر. في عشية الحرب العاملية الثانية، كانت الحكومة األملانية قــلــقــة عــلــى وضــعــهــا الــغــذائــي فـــي ظـــل خــطــط الـــحـــرب التي كـانـت ترسمها. وكـانـت الــدولــة تعلن بـصـراحـة عـن ضرورة الحصول على املزيد من األراضي الزراعية الخصبة لتغذية ولتوسعة الحيز ملعيشة شعبها... مبدأ Lebensraum حسب زعمهم. وكـان القائد النازي هتلر يرى أن العديد من الدول األوروبــــيــــة حــصــلــت عــلــى مــمــيــزات كــبــيــرة مـــن سياساتها االســتــعــمــاريــة... إنـجـلـتـرا كــانــت مـسـتـعـمـرة أكــثــر مــن نصف الـعـالـم وكــانــت أسـواقـهـا غنية بالسلع املــســتــوردة، وفرنسا كـانـت مستعمرة دوال كثيرة فـي أفريقيا وآســيــا، وإيطاليا أيضا، بل وحتى بلجيكا التي كانوا يعتبرونها «فلعوصة» كان لديها ممتلكات شاسعة في أفريقيا. وأما أملانيا فكانت كـمـن «طـلـع مــن املــولــد بــال حـمـص» كـمـا يـقـول املــثــل. وكانت طموحاتها الحربية، واملدنية، والسكانية تتطلب املزيد من األراضـــي، والــغــذاء، واملــعــادن، والنفط. وكـانـت إحــدى خطط هتلر الجهنمية أن يستولي على األراضي حوله وخصوصا األراضي األوكرانية الخصبة. واملشكلة طبعا هي أنها كانت تـقـع ضـمـن إحـــدى جـمـهـوريـات االتــحــاد الـسـوفـيـتـي. ولكنه (هـتـلـر) كــان مقتنعا أن االتــحــاد السوفيتي بأكمله يعتبر من الـدول املتأخرة، وأنـه ال يرقى للمستوى األوروبــي، وأنه وليمة خصبة للمرمشة. ولكن في البداية، قام بإحدى أغرب الحركات في تاريخ الـحـروب الحديثة، فوقع اتفاقية سالم مع الزعيم السوفيتي ستالني عـام .1938 واألغــرب من ذلك أنه اتفق ضمنيا مع ذلك الرئيس «ملرمشة» بولندا... وأقصد هــنــا تــلــك الـــدولـــة بــأكــمــلــهــا. وتـــاريـــخ بــولــنــدا هــو مــن أغرب القصص الحضارية، فكانت كالفتاة الجميلة اليتيمة في قرية خبيثة... الكل يحلم بها، والبعض يختطفها من حني إلى آخر... والدليل على ذلك أنك لو نظرت إلى خرائط أوروبا املختلفة على مر العصور، ستجد أنها غير موجودة بتاتا بسبب مرمشتها مـن بعض جيرانها. ولنعد إلــى موضوع اتفاقية السالم بني هتلر وستالني لغزو بولندا، لنجد أنها كانت تمهيدا سريا ملرمشة االتحاد السوفيتي بأكمله من قبل أملانيا، منتهى الجرأة أن تفكر القيادات النازية في اقتحام واحتالل أكبر بلد في العالم من حيث املساحة، وبلد يفوق عدد سكانها سكان أملانيا، وبلد لديها إحدى أكبر الجيوش فــي الـعـالـم، ولـكـن الــقــيــادات فــي أملـانـيـا كـانـت لديها «شوفة حــال» ال مثيل لـهـا، وطبعا كـانـت نتيجة املـغـامـرة األملانية كارثة رهيبة راح ضحيتها ماليني البشر من الروس واألملان املدنيني والعسكريني.
أمنيـــة
بعض من أنواع املرمشة غير الئقة سواء كانت مرمشة األزواج، أو الدول. واليوم نجد بعض األبعاد الجديدة لهذه الظاهرة مـن خـالل مـحـاوالت االستيالء على مكاسب األمــم بأشكالها وأنواعها املختلفة، والشطارة طبعا أن يتم إدراك هذه املخاطر مبكرا، واالستعداد لها نفسيا، وثقافيا، وحضاريا، وعسكريا. أتمنى أن يقينا الله شرورها. وهو من وراء القصد.