املؤمتر: التسليم اإليجابي بالفروق الطبيعية مفٍض إلى اإلميان بسنة االختالف
وكانت جلسات املؤتمر قد ناقشت مشكلة اإلخال باألمن الفكري، وما نتج عنها من فساد عريض، جعل املجتمع العربي واإلســامــي نهبًا لـأطـروحـات الفكرية املتطرفة التي نالت من قوته ووحدته وآماله في مستقبل مشرق، معتبرًا أنه نتيجة متوقعة لحالة تغييب الوعي، وضمور الفكر، واالستسام للمشاعر الحاملة، والخطاب االنفعالي املنفصل عن الواقع. وأكد املؤتمرون، ضرورة البحث عن صيغة للتوافق املجتمعي بن املكونات املختلفة، تحقق الــعــدل، وتـضـمـن للجميع حقوقهم فــي مجتمع تعددي آمن، يسعد في جنباته الجميع، داعن في الوقت ذاته إلى االنتقال باألمة املسلمة من دائرة اإلمكان الحضاري إلى دائرة الفعل الحضاري، بتعزيز الوسطية، ونشر الوعي، واالنـتـقـال مـن الـرؤيـة الجزئية الضيقة لعالم الـيـوم إلى الرؤية الكلية الشاملة، ومراعاة ما يستتبعه ذلك من إعادة ترتيب األولويات، واالهتمام بقضايا املشترك اإلنساني. وشــــــــددوا عــلــى جــمــلــة مـــن األســــــس والـــركـــائـــز الفكرية، تصدرها تجديد التأكيد على أن اإلســام دين الوسطية واالعـــتـــدال والــرحــمــة، ورفـــض االعــتــراف أو الــتــهــاون مع الصورة املشوهة التي تقدمها بسوء فهم أو سـوء قصد قــوى الـتـطـرف عـنـه، مخالفة أصــولــه وشــرائــعــه، وجاعلة املجتمع املسلم هدفًا مشروعًا لكل القوى املتربصة. ونـوهـوا بـأن التسليم اإليجابي بالفروق الطبيعية بن الـبـشـر مــفــض إلــى اإليــمــان بسنة الـخـالـق فــي االختاف والتنوع والتعددية، ومــؤذن بضرورة بحث الفرقاء عن صيغ تعايش آمن وادع يسلم بوجود الخاف، ويتجاوزه إلى التوافق حول املشتركات اإلنسانية والوطنية. وأكد املشاركون أن تاريخ اإلسام يزخر بإثراء حضاري فريد أسهم فـي مسيرة الـحـضـارة اإلنسانية، وزاوج في عطائه بن إشراقة الروح ومطالب الجسد، وقدم لإلنسانية األنموذج الذي يسعدها في الدنيا واآلخرة، وأن املسلمن اليوم قادرون على تقليص الفجوة الحضارية، واستعادة تـلـك الـتـجـربـة الـــرائـــدة؛ داعـــن إلــى الـحـفـاظ عـلـى الهوية اإلسامية، واالعتزاز باالنتماء الحضاري اإلسامي الذي ال يتعارض مع التفاعل مع املشترك اإلنساني، وال يحول دون اإلفــــادة مــن مكتسبات الــحــضــارات األخــــرى. وأشار إلــى أن األمـــن املجتمعي يتحقق بـتـضـافـر الـجـهـود بن املؤسسات األمنية والدينية، والعمل الفاعل في أوساط الجامعات واملنظمات الشبابية ملواجهة الفكر املنحرف ومــعــالــجــة شـــذوذاتـــه بــالــتــربــيــة والــتــثــقــيــف والتحصن الــذي يقي الشباب مـن أحابيل الـقـوى املتطرفة، ويرسخ املــفــهــوم اإلســـامـــي الــشــامــل لــحــب الـــوطـــن والـــــــذود عنه وحمايته مـن األخــطــار، معتبرين أن املـمـارسـات الشاذة لبعض املحسوبن على اإلسام، وارتكاسهم في ما يدينه من جرائم القتل والـتـرويـع، ال يبرر ظاهرة التخوف من اإلسام التي تمثل الوجه اآلخر للتطرف، وتكرس الشقاق بن املجتمعات واإلنسانية، وتؤسس لثقافة الكراهية مع ماين املسلمن الذين يوقنون أن اإلسام هو دين السام والتعايش ورحمة الله للعاملن. ورأى املؤتمرون، أن الـدعـوات الطائفية والحزبية ثلمة تدمي املسلمن وتعمق جراحاتهم، مؤكدين أنها تعبير عــن ضـيـق األفــــق، وعـــدم إدراك الــواقــع واملــتــغــيــرات، وأن اإلصرار على استعادة مشكات التاريخ، وإعادة إنتاجها مـوقـف مـشـبـوه وغـيـر مــســؤول يفضي إلــى إشــعــال الفنت بن املسلمن وخنق قضاياهم املصيرية، وصرفهم عن معالجة التحديات اآلنية، واستشراف مستقبل أفضل. وقد دعا املؤتمر في بيانه الختامي املسلمن إلى امتثال مـــبـــادئ اإلســـــام وتــرجــمــتــهــا إلـــى واقــــع يـــقـــرؤه الجميع مــن خـــال اإلســـهـــام فــي بــنــاء مـجـتـمـع إنــســانــي متحضر يــراعــي الــتــنــوع الــديــنــي والــثــقــافــي، ويـسـعـى فــي تحقيق العدالة االجتماعية، وتعزيز الوحدة الوطنية، ويتعاون مــع مـكـونـات املـجـتـمـع األخــــرى، فــي مـواجـهـة التحديات واملشكات بالحوار الهادف والتواصل اإليجابي، وصوال إلى مجتمع العدل والسلم والتراحم. ورفــض البيان دعــوات االسـتـعـاء واإلقــصــاء والتحزب، مــطــالــبــا بــحــشــد الـــطـــاقـــات وتـــرمـــيـــم الـــفـــجـــوات لخوض الـحـرب الـعـادلـة مـع قــوى الـتـطـرف واإلرهــــاب والطائفية التي تهدد وحــدة املسلمن، وتستولد املـزيـد مـن دواعي الفرقة والصراع واالحتراب. ونادى املؤتمرون، القيادات الـسـيـاسـيـة الــعــاملــيــة واملــؤســســات الــدولــيــة املــعــنــيــة، إلى تحقيق معادلة العيش املشترك اآلمــن بن جميع البشر على اتساع الدائرة اإلنسانية، واالعتراف بحقوق الشعوب الضعيفة واملـغـلـوبـة فـي تحقيق سيادتها على أرضها والعيش الكريم في عالم خال من الخوف والتهديد، مع ضرورة تحقيق الشراكة الفاعلة بن القوى املحبة للسام في تجاوز اآلثــار السالبة للظاهرة اإلرهابية، والتعاون الــدؤوب في تجفيف منابعها ومـن بينها تأخر العدالة الناجزة في بعض القضايا الدولية العالقة، والتي دأب التطرف فـي غمرة مزايدته على املتاجرة بمظلوميتها فـــي ســـيـــاق تــوظــيــفــه الـــســـيء بــعــيــدًا عـــن هــــدي الشريعة ومنطق الحكمة، محاوال اختراق العواطف املجردة عن الــوعــي. وطــالــب املـؤتـمـر بــاإلصــاح املجتمعي الشامل، باعتباره ضــرورة ال يسع التأخر فـي بــذل أسبابها، من خال ترتيب أولويات النهضة، وتعزيز العمل املؤسسي، وتضافر الجهود فـي تعزيز السلم املجتمعي والوحدة الوطنية، منوهن فـي هــذا الـسـيـاق إلــى أهمية التعاون بــن الـــدول فــي إنــجــاز بــرامــج التنمية املـسـتـدامـة بوضع الـخـطـط اإلسـتـراتـيـجـيـة، ورســـم الـسـيـاسـات الــتــي تصنع الــبــيــئــة املــشــجــعــة الــتــي تـكـتـشـف املـــوهـــوبـــن وترعاهم، وتستعيد الـخـبـرات املــهــاجــرة، وتشحذ الـهـمـم، وتشجع البحث العلمي، مــع أهمية توفير اإلمــكــانــات للنهوض بمشاريع التنمية الوطنية. كما طالب بالتمثل الواعي لـتـجـارب التنمية الناجحة عـاملـيـًا، والـعـمـل على تغيير األنـــمـــاط االســتــهــاكــيــة الــتــي تـسـتـنـزف املـــقـــدرات وتهدر الــثــروات، وتـــؤدي إلــى نـضـوب املـــوارد الـوطـنـيـة، وتعيق بـرامـج التنمية، إضـافـة إلــى دعــوة الجامعات والهيئات العلمية والدعوية إلى تعزيز دورها التربوي والتثقيفي في تأصيل مفاهيم الوحدة واألمن املجتمعي. وتقدم املؤتمر بالشكر الجزيل لرابطة العالم اإلسامي واملــنــتــدى الـعـاملـي للوسطية عـلـى جـهـودهـمـا فــي إقامة وإنجاح هذا املؤتمر، وسعيهما في ترسيخ ثقافة الحوار والتعايش، كما شكروا الحكومة األردنية على تسهيلها إقامة هذا املؤتمر ورعايتها له، متمنن إقامة املزيد من املناشط الهادفة لخدمة اإلســام والبشرية جمعاء. وفي ختام املؤتمر سلم وزير الثقافة األردنـي نيابة عن راعي املـؤتـمـر رئـيـس الــــوزراء األردنـــي للشيخ الـدكـتـور محمد بن عبدالكريم العيسى األمن العام للرابطة درع املنتدى تقديرًا لدور الرابطة في نشر الوسطية.