وجهان لعملة واحدة زائفة
لــيــس عـجـبـا أن يـنـتـهـي الــتــطــرف الشيعي إلـــى ظــهــور دول وجــمــاعــات تــتــاجــر بحب اإلمــــــام عــلــي وثـــــــارات الــحــســني رضــــي الله عنهما كنظام املاللي في إيـران وحـزب الله في لبنان والحوثيني في اليمن، في الوقت الذي ينتهي فيه التطرف السني إلى ظهور تنظيمات وجماعات تدعي اتخاذ اإلسالم مـرجـعـيـة لــهــا كـتـنـظـيـم اإلخــــــوان املسلمني والــســروريــة والــقــاعــدة وداعــــش، فـقـد جمع بـني التطرفني أن كليهما سعى إلـى خطف املــجــتــمــع بـــاســـم الـــديـــن ومـــــصـــــادرة حرية الناس باسم العقيدة والتحكم في مصائر الشعوب باسم اإلسالم. وال عـجـب أن يــتــزامــن الــتــطــرفــان، الشيعي والـــســـنـــي مــــا دام كـــالهـــمـــا نـــتـــاجـــا لفشل أنظمة تعاقبت على بعض الــدول العربية واإلسـالمـيـة فـي حقبة مـا بعد االستعمار، سعت إلى استعارة بعض األيديولوجيات كـاالشـتـراكـيـة أو استنبتت أيديولوجيات بديلة كالقومية أو حاولت الدمج بني هذا وذاك فانتهت إلى الفشل في هذا وذاك معا، وكانت جميعها أنظمة شمولية، وذلك هو الــنــتــاج الـطـبـيـعـي واملــصــيــر املــحــتــوم الذي يــتــرصــد كــل نــظــام تــســيــره األيديولوجيا، كما أنها جميعها كانت أنظمة «تبشيرية» بمعنى أنها أنظمة عابرة للحدود الوطنية معتبرة نفسها مسؤولة عن تصدير ثوراتها تـــــــارة ومــــســــؤولــــة عــــن مــصــيــر وسياسات وخيارات غيرها من الدول العربية أو الدول املجاورة لها. فـشـلـت تــلــك األنــظــمــة الــتــي أعــقــبــت الحقبة االســتــعــمــاريــة أو تــزامــنــت مـــع أواخـــــر تلك الحقبة فقفزت الـجـمـاعـات اإلسـالمـيـة لكي تـــقـــدم نــفــســهــا بـــديـــال مــتــخــذة مـــن اإلســــالم غــطــاء تخفي وراءه تطلعاتها السياسية وأطـمـاعـهـا فــي الــوصــول إلـــى الـسـلـطـة، في الــوقــت الــــذي ورثــــت فــيــه مــن تــلــك األنظمة أطماعها العابرة للحدود وتجاهلها ملفهوم الـدولـة املدنية، والـوهـم الكبير املتمثل في املسؤولية عن إصالح العالم ونشر ما تؤمن به من أيديولوجيا. تطرف الجماعات اإلسالمية، سنية كانت أو شيعية، وجهان لعملة واحــدة، عملة زائفة كذلك، وكال التطرفني نتاج لفشل ال يولد إال فشال. * كاتب سعودي