Okaz

قصور األفراح وقاعات املهِّمني !

- محمد أحمد الحساني * mohammed.ahmad568@gmail.com

دعيت قبل عدة شهور لحضور مناسبة زفـاف، وكانت قاعة قصر االحتفاالت فخمة جدًا وواسعة األرجاء، فلما سلمت على أصحاب املناسبة وهنأت عريسهم دون أن أقبله تخفيفًا عنه مما يعانيه من قبل يطبعها على خـده الرقيق نحو 500 مدعو، يرسل كل واحد منهم 10 قبل حاسمة، مع ما قد يكون معها من عـدوى ورذاذ قد تجعل العريس طريح الـفـراش فـي الليلة املــوعــو­دة، ويحتاج إلى كــمــادات لتخفيض حــرارتــه العالية، رافـقـنـي أحــد الــداعــن­ي مرحبًا واتجه بي نحو قاعة صغيرة، زعم أنها قاعة مخصصة لألشخاص املهمني، ولم يكن في تلك القاعة سوى 3 مدعوين، كل واحد منهم ال يعرف الثاني، في الوقت الذي كان في القاعة العامة نحو 100 مدعو يتبادلون أطراف الحديث والذكريات، فشكرته على عنايته وقلت له: دعني أتجه للقاعة العامة، فإن مسألة كوني شخصًا مهمًا هي كما يقال «تهمة ال أنفيها وشرف ال أدعيه»!، ولم أحضر املناسبة ألجلس مع نفسي أعد الكراسي واملصابيح والسيراميك، وأحملق في الـداخـل والـخـارج أو أنكس رأســي نحو جوالي لفتح الرسائل ومتابعة بعض الصور وما فيها من هوايل، وطلبت منه العودة إلى كراسي االستقبال فلعله «يصيد» شخصًا مهمًا غيري يرافقه إلى قاعة الـ«في آي بي»، حسب نطقها بالحروف اإلنجليزية! وملا أخـذت موضعي في القاعة العامة وجـدت عـددًا من األصدقاء والـــزمــ­ـالء، فـكـانـت فـرصـة لتوسيع الــصــدر معهم واالســتــ­فــادة من تجارب بعضهم في املجال اإلداري أو املالي أو االجتماعي، والسيما أن أبناء جيلي أصبحوا متقاعدين منذ سنني! وتـفـكـرت فــي مسألة تخصيص قـاعـة جانبية لبعض املدعوين بحجة أنـهـم «مـهـمـون»، وأن غيرهم مـن املـدعـويـ­ن ليسوا كذلك، فوجدت فيها عمال غير الئق وفيه إساء ة ملعظم املدعوين، فاملدعو هــو املــدعــو وال دخــل فــي كــونــه مـوظـفـًا صـغـيـرًا أم إنـسـانـًا رقيق الحال أم جــارًا أو قريبًا فقيرًا، فهو مدعو كغيره وعلى صاحب املـنـاسـب­ـة مقابلته والـتـرحـي­ـب بــه مـثـل غــيــره، وإذا كــان صاحب املناسبة يـرى أن الغالبية من املدعوين ال يشرفونه وال يمألون عينيه السوداوين فلماذا دعاهم أصـال وملـاذا لم يخص بدعوته «املهمني» فقط ال غير، وكيف يكون املوقف لو أن مدعوًا دخل على نيته إلى قاعة «املهمني» فوجد من يسحبه قائال له: لو سمحت تعال معي إلى القاعة العامة! لقد كـان أقصى ما يقدم «للمهمني» أن تخصص لهم مقاعد في صدر املجلس ال في قاعة منفصلة محظور دخولها على غيرهم، وكـــان ذلــك التمييز مـقـبـوال عـلـى مـضـض وفــيــه مـخـالـفـة للهدي النبوي؛ ألنه جاء في السنة املطهرة أنه صلى الله عليه وسلم كان يجلس حيث ينتهي به املجلس، إلى درجة أن بعض األعراب كان إذا دخل مجلسه عليه الصالة والسالم نادى قائال: أيكم محمد؟ فيهش له الرحمة املهداة ويقضي حاجته من سؤال أو توجيه أو نفقة، ولكن يبدو أن املهمني وجماعتهم لم يعجبهم تخصيص صـــدور املـجـالـس لـهـم، فكانت الـبـدعـة االجتماعية الـجـديـدة في بــعــض قــصــور األفــــــ­ـراح بــــأن تــخــصــص قــاعــة لـلـمـهـمـ­ني وأخــــرى للدهماء من املدعوين! ومـمـا يـدعـو لـألسـف أن مـن يـبـدأ مثل هــذه الـبـدع ويرسخها هم أصــحــاب املــكــان­ــة االجـتـمـا­عـيـة أو الــذيــن يــدعــون أنــهــم كــذلــك، ثم يقلدهم غيرهم عمال بقاعدة «إنـمـا أطعنا سادتنا وكبراءنا».. وسالمتكم! * كاتب سعودي

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia