النيابة العامة: ما لكم شغل !
حسنًا فعلت النيابة العامة بإصدارها أخيرًا بيانًا صحفيًا - بلغة حازمة - علقت فيه على قفز وافتئات بعض الجهات التنفيذية على اختصاصها دون مسوغ نظامي، وردت من خالله على التصريحات املتخبطة التي أطلقها أحــد املتحدثني باسم إمــارة مـن إمـــارات املناطق قبل أيام قليلة. قالت النيابة في بيانها املقتضب الذي بثته وكالة األنباء السعودية (واس): «إشارة ملا تم تداوله أخيرا حول عدد من القضايا الجنائية توضح النيابة العامة أن هـذه القضايا من صميم اختصاصها، بموجب األنظمة والتعليمات»، مضيفة تعليقا على تصريحات منسوبة لبعض املـتـحـدثـني اإلعــالمــيــني: «إن الـنـيـابـة الـعـامـة هي الجهة املعنية بجميع القضايا الجنائية في مرحلة جمع األدلة، وتحليلها، والـتـحـقـيـق، واالدعـــــاء، وال يـحـق ألي مــن الـجـهـات أو األفراد التدخل أو التصريح بشأنها». والحق أن لدى بعض الجهات التنفيذية في اململكة مشكلة كبيرة في فهم دورها واختصاصها ومهماتها، وهذا مالحظ منذ سنوات طويلة وليس وليد اليوم، ومـن هنا يكتسب بيان النيابة العامة أهميته؛ إذ يحسب لها بال شك سرعة إصــداره، على عكس جهات أخــرى تفضل الصمت عـن مثل هــذه الـتـجـاوزات مـن بــاب مجاملة بعض املـسـؤولـني لزمالئهم، أو رغبة مـسـؤول فـي عــدم االصطدام بمسؤول آخـر يسعى إلظهار جهود جهازه على حساب األجهزة األخرى. ولعل التجاوزات األكثر ممارسة على أرض الواقع تلك التي تتم فــي املــحــافــظــات الـصـغـيـرة واملـــراكـــز الـبـعـيـدة عــن األضـــــواء؛ إذ قد يتحول بعض املحافظني أو رؤساء املراكز إلى مرجع وحيد لجميع مــســؤولــي اإلدارات الـحـكـومـيـة هــنــاك، دون أي اعــتــبــار لألنظمة املرجعية الرسمية لكل إدارة أو جـهـاز، ومــا يـزيـد األمــر ســوءا أن يعمد مدير الجهاز الحكومي على مخالفة أنظمة مرجعه الرسمي لتنفيذ أوامـر املحافظ أو رئيس املركز، إما مجاملة وتملقًا له، أو خـوفـًا مــن أن يـصـطـدم بــه، وفــي بـعـض الــحــاالت جـهـال باألنظمة، والـشـواهـد على ذلــك كثيرة، مـا يـوجـب التركيز على التوعية في هذا الجانب ووضـع حد ألي تجاوز من هذا النوع وبشكل سريع مع اإلعالن عنه، فذلك يسهم بشكل كبير في عالج هذه اإلشكالية، وضمان عدم شيوعها. لو اطلع كثير من املتجاوزين الصغار على األحكام التي تصدرها املحاكم اإلدارية بشكل مستمر ضد تجاوزات بعض كبار املسؤولني واألجــهــزة الـرسـمـيـة، لــراجــعــوا حساباتهم ألــف مــرة قـبـل التفكير بمخالفة األنظمة أو االلتفاف عليها، لكن املشكلة أن ثقافة املجتمع الوظيفي الـرسـمـي لدينا ال تحبذ الـحـديـث فــي مثل هــذه األمور، وكثيرا مـا عوقب مـسـؤول أو ألغيت قـراراتـه بحكم إداري دون أن يعرف ذلـك حتى أفــراد فريق عمله من بـاب «الستر زيــن»، و«جبر عثرات الكرام» وما إلى ذلك من أمثال تعشعش في ثقافتنا وتسهم فـي صناعة الترهل اإلداري الــذي تحاربه الـدولـة الـيـوم وهــي في طريقها لتحقيق رؤية .2030 أخيرًا ال يسعنا إال أن نقول للنيابة العامة «شكرًا من القلب»، أما القافزون على اختصاصات غيرهم فنقول لهم بكل وضــوح: «ما لكم شغل».
* كاتب وإعالمي سعودي