املقامة األجنبية في إفساد املنظومة العالجية !

لكم كانت فرحتي عظيمة برفض مجلس الـشـورى استثمار األجانب في املجمعات الطبية السعودية، كنت أقول وأنا متأكد أن عقلي يالزم رأسي، ليتهم رفضوا املستثمر من دول العالم الثالث، والذين من خالل تـجـربـة حـيـة اخـتـطـفـوا مـنـظـومـة الــرعــايــة الـصـحـيـة الـخـاصـة فــي هذا البلد وعلى عجل دون حصان أو عربة، وفتحوا الباب على مصرعيه للمستثمرين من دول العالم األول، أقول ذلك دون أن أخفف من لهجتي أو أن أدوس على عصب الغضب املتقافز فـي صـدغـي، فـعـار عـلـي أن أمسح عن جلدي 37 عاما من معرفة املعنى الحقيقي للرعاية املتميزة والــذي تعلمته ومارسته، بل ومن الظلم أن أتحول إلى نملة عمياء ال تفتح عيونها في عهد النور، فالكل راقـب مشهد القطار السريع الذي خــرج عـن قضبانه وأصـبـح يحطم كـل مـا يعترض سـيـره للمجمعات الطبية التي استولت عليها مجموعة مـن املستثمرين الـذيـن ال يعلم أحد من أين هبطوا؟ ومن باب رفع العتب تحت أي اسم ملعون تستروا؟ ومن سيخرج هذا امللف ويضعه على الطاولة ويبدأ بإبريق الزيت الذي سيجرف بأعداد ال حصر لها إلى بوابة هيئه مكافحة الفساد؟ والكشف عن األشباح املتوارية تحت الستائر؟ الخائف ال يحب، وأنا أحب وطني، ولذا سأجرف الكلمات جرفًا من لساني الذي يزن نصف طن في حلقي، املجمعات الطبية التي استولى عليها املستثمرون األجانب أصبحت كأحواض النبات التي يتكدس فيها الزرع غير املتآلف، ورود قصيرة متنافرة األلوان، وشجرة طويلة، وزحمة من الحبق، ونباتات قرطاسية، وأعــشــاب خـرجـت عـلـى هــواهــا، ونــبــاتــات مــديــدة أكـلـت جـــذوع الدالية وأطـبـقـت عـلـى عناقيد الـعـنـب وامـتـصـت ريـقـهـا، وعـنـاقـيـد الـعـنـب هم أصحاب املجمعات الطبية من السعوديني الذين أصبحوا كاألرملة التي تقطعت بها السبل، بعد أن حطم هؤالء املستثمرون عظامهم وأصبحت 20 جــبــيــرة عـــاجـــزة عـــن رتـــق الــكــســور، واملـــصـــاب الـحـقـيـقـي فـــي هذه الحادثة، هي جودة الرعاية الصحية، حيث تحول املستثمرون األجانب إلى غول أصفر، وضعوا أيديهم على معظم املجمعات الطبية الخاصة متسترين، كــل يــوم هـنـاك مستثمر أجـنـبـي يـجـوب الــســوق السعودية الصحية كزبون لشراء مجمع طبي متعثر، وبعد أن تستكمل الصفقة يتحول إلى بائع حليب ينادي عليه باسم ليس له عالقة بالحليب! فمن يزور هذه املجمعات يرى عجب العجاب، بشر يتشابكون بكتل لحمية ضخمة ينزلقون على منضدة طبيب متواضع الخبرة واألجر وبأعداد كثيفة، والوقت ليس ملكه، يجلس خلف مكتبه كالقط الواقف على يديه األماميتني تارة وعلى قدميه الخلفيتني تارة أخرى، يسانده في عمله عاملون محدودو الخبرة والكافة يعرفون دورهم ومهمتهم وينفذونها بحذافيرها، والحذافير قاطعة، يتبادلون وشوشة النباتات اليابسة همسًا، فالكل مراقب وللكمرات أعني وآذان وأفالم تراجع بشكل يومي، واملحاسبة فورية، يقول الدكتور األمريكي إيريك هاسلتاين: «إن أفضل األطـبـاء فـي العالم يرتكبون األخـطـاء ويقعون فـي اختيار العالجات الخاطئة نتيجة اإلجهاد وعدم توفر الوقت الكافي لفحص املريض»، عليك يا دكتور «هاسلتاين» أن تزور هذه املجمعات لترى كيف يتطاير املرضى عن طاوالت الفحص كرذاذ الثلج في بوسطن ولتعرف كم من األخـطـاء اليومية تـحـدث! ولتعرف أيـضـا أن ليس فـي هــذه املجمعات أفضل األطباء، فالضمير هنا يا سيدي فقد وخزاته، وانعدم الخوف والوجل، من املسؤول عن هذه اللمة األجنبية العائلية؟ من سمح لهم بالتكاثر كالفقع في عمق الكيان الصحي؟ من سمح لهم أن يسرحوا ويمرحوا في هذا العالم السفلي؟ أكتب ما كتبت متذكرًا األغنية التي اختتم بها دريــد لحام آخــر رشفة مـن «كـاسـك يـا وطـــن».. بكتب اسمك يا بــالدي على الشمس ملا بتغيب، ال مالي وال أوالدي عن حبك مالي حبيب، أدنــدن بالكلمات، أتمسك باملعنى، أشفق على ألـم روحــي وأنا أعيش في ضيافة القلق، أتأمل انتهاك الحلم والجهد والعرق واتساع الـجـرح وقـسـوة املخالب، أطــرق األبـــواب املشروعة والقلوب الحريصة خوفًا أن ينهار سقف الرعاية وتختصر املسافة بني قمة اإلنجاز وسفح التدهور، يدي على قلبي وروحي تستعجل الحل! من يا ترى يفك هذه األلغاز ويجيب عن كل هذه التساؤالت؟. * كاتب سعودي