Okaz

سالم أنقرة.. هجوم كيماوي في دوما

- د. رامي الخليفة العلي * @ramialkhal­ife

حديث األربعاء «واتفق الرؤساء الثالثة على مواصلة التعاون من أجل إحالل السالم واالستقرار في سورية»، هــذا جــزء مـن الـبـيـان الــذي خــرج مـن االجتماع الذي التأم في العاصمة التركية أنقرة، وضم بوتني وروحاني وأردوغـــا­ن، وبينما كـان الحديث عن السالم يرتفع في أروقة االجـتـمـا­ع كـانـت أصـــوات املـتـفـجـ­رات ال تــفــارق سـكـان الغوطة الشرقية. بينما كان قادة محور روسيا وإيران وتركيا يوقعون بـيـانـهـم كـــان األطــفــا­ل والــنــسـ­ـاء والــشــيـ­ـوخ مــن ســكــان الغوطة الشرقية يوارون الثرى كقرابني على مذبح السالم املوعود. ولنا أن نتساء ل أي سالم هذا وإيران جمعت شذاذ اآلفاق من كل حدب وصوب من العراق وأفغانستان ولبنان وغيرها من بالد الخراب اإليرانية، وأنشأت امليليشيات الطائفية وراحت تعبث بالجسد السوري تغييرا في الهوية وتخريبا في الديمغرافي­ة وتهجيرا على أساس املذهب وقتال ال يستثني كبيرا أو صغيرا. أي سالم وروح االنتقام ال تزال تعشعش في الزوايا املظلمة من نفوس املاللي، وقد دفع الشعب السوري ثمن األحقاد الطائفية املريضة، التي لم يبق ذيل من ذيولهم إال وعبر عنها. احتالل وسيطرة على القرار السياسي وبناء مستوطنات مذهبية على حـــواف عـاصـمـة األمــويــ­ني، ورســـم مــمــرات إستراتيجية ألذرع طائفية من طهران إلى الضاحية الجنوبية، بنيت على أجساد السوريني، وبعد كل هذا ال زالت أكذوبة املقاومة كاللبانة في فم من فقد الحجة واملنطق والعقل. أي سالم والسيد أردوغان لم يستطع أن يحمي أي قرية أو بلدة أو مدينة، وهو كما كان يدعي الضامن التفاق مناطق خفض التصعيد الذي تم التوافق عليها في أستانة. على عني تركيا دخـلـت قــوات الـنـظـام وميليشيات إيـــران حلب وهــي خاضعة ملناطق خفض التصعيد. بل إن املعارضة فقدت منذ التوقيع على تلك االتفاقية أكثر من نصف املناطق التي كانت تسيطر عليها قبل االتــفــا­ق. أمــا الــرد التركي فهو خطاب نــاري خلف مـيـكـروفـ­ون أو الـتـقـاط صــورة مـع سـيـدة أو طفلة. لـم يستطع العقل التركي أن يتجاوز بعبع األكراد، وأصبح كل همه تقسيم مناطق نفوذهم، حتى وإن كـان الثمن دمـا يدفعه السوريون كلهم. أما أولئك الذين بحت أصواتهم وهم يهتفون ألردوغان وآملـتـهـم أيـديـهـم وهــم يصفقون لــه، فـلـم يـعـد لـديـهـم ســوى أن ينتظروا خطابا آخر تذرف فيها الدموع الكاذبة. أي سالم والطائرات الروسية في كثير من الحواضر السورية لم تترك حجرا على حجر، ولم تميز بني مسلح ومدني، فأصبح الـدم السوري مشاعا يشرب منه كل متعطش للدماء، فحولت تلك الـطـائـرا­ت سـوريـة بشعبها وحـضـارتـه­ـا وروحــهــا مجرد بيدق صغير في لعبة األمـم. قواعد عسكرية ومرتزقة أجانب واعـتـبـار هــذا البلد مـن بقايا ممتلكات القيصر وطموحاته اإلمبراطور­ية، لم يجد القيصر أفضل من الشعب السوري لكي يعيده إلـى الخارطة الدولية، حتى وإن كانت العودة خادعة والرهان خاسرا. أي سالم والشعب السوري فقد أكثر من نصف مليون قتيل في أكثر اإلحصاءات تفاؤال، وأكثر من مليون جريح فقدوا القدرة أن يكونوا أعضاء فاعلني في مجتمعهم، وماليني املشردين في أصقاع األرض. هذا الشعب السوري الـذي لم يكن يستحق أن يكون له كرسي في اجتماع أنقرة، فهذه الدول أصبحت وكيلته وتقرر عنه. وما على الشعب السوري إال أن يستجيب ويقتنع أن هذه األطراف تريد به خيرا بعد كل ما فعلت. أي سالم وخارطة سورية أصبحت على طاولة تقاسم النفوذ يــغــرزون أنـيـابـهـ­م وأظــافــر­هــم لـكـي يـحـظـى كــل طـــرف بالقسم األكبر منها. كل بحسب قـدرتـه، تركيا أخــذت الشمال الغربي وأطلقت يدها لكي تحتل عفرين وهي تريد التوجه إلى منبج وشـرق الفرات، روسيا أنشأت قواعدها العسكرية وهي تقول إن بقاء النظام كان بفضلها. إيران تسيطر على محيط دمشق والقلمون وصــوال إلـى البادية الـسـوريـة، لكي توصل مناطق نفوذ ميليشياتها في العراق وسورية. لــذلــك فـقـبـل أن يــجــف حــبــر الــبــيــ­ان، وقــبــل أن يــغــادر ضيوف أردوغان أنقرة، كان الهجوم الكيماوي يحصد أرواح السوريني في دومـا، تموت النساء ويختنق األطفال، وتهرب الحياة من بني الجدران املهدمة والبيوت الخربة. في دوما وقبل ذلك في حلب وحمص وخان شيخون ودير الزور وغيرها من الحواضر السورية تتكرر مآسي السوريني، بينما تستقيل اإلنسانية من قيمها وتسقط القوانني واملواثيق الدولية، ويضمحل الضمير العاملي. تـــذهـــب الـــقـــو­ى الـــدولــ­ـيـــة مــــرة أخـــــرى إلــــى مــجــلــس األمـــــن في مكلمة مل منها السوريون وحفظوها عن ظهر قلب، املناكفة الدبلوماسي­ة وصـــراع الــديــوك على الـطـاولـة األمـمـيـة لـم يغن الــســوري­ــني فــي شــــيء، ســـوى مــزيــد مــن اآلالم. ولــعــل املختلف هــذه املـــرة أن هـنـاك تحالفا يـضـم الــواليــ­ات املـتـحـدة وفرنسا وبريطانيا يـريـد أن يعمل حتى ولــو كــان مـن خــارج مجلس األمـن. ولكن إذا كانت هذه العملية العسكرية ستكون شبيهة بتلك الـتـي تمت فـي شهر أبـريـل / نيسان مـن الـعـام املاضي، فإنها ستكون عملية استعراضية ورمزية لن تغير شيئا. إن أي عملية عسكرية ال تغير املـوازيـن على األرض وال تحاسب من نفذ مجزرة الكيماوي في دوما سوف تكون لذر الرماد في العيون، وهي سوف تمكن لإليرانيني أكثر في سورية، وسوف تعيد األزمــة إلـى املربع األول، وهـو تقسيم النفوذ بني الدول الكبرى واألطــراف اإلقليمية على حساب دمــاء وآمــال وأحالم الشعب السوري باألمن والسالم، وسوف تجعل من سالم أنقرة إنموذجا سيئا للحل في سورية.

* كاتب عربي

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia