رمضان ال يأتي وحيدا
ثمة أشياء نعرفها جيدًا قبل قدومها، تتسلل إلينا بهدوء جميل وتوقظنا برفق، نسمعها في محيطنا بوضوح، نشم رائحتها، نراها في كل التفاصيل املجاورة... ال يأتي رمضان فجأة، تسبقه لحظات جميلة.. في جدة -مثال- تتأهب املتاجر، تشرئب املنارات، تعلق الفوانيس ومفارش الزينة، تباهي املطاعم بأفضل األصناف لديها، وتفيق املصاحف بعد سبات عميق! عـادة ما تسبق رمضان لحظات خالدة، كتلك اللحظات التي تسبق أي شيء يحدث مرة واحدة في العمر، ولكن في رمضان تتكرر اللحظات بتكرر رمضان كل عام، وذلك ما يسبغ عليه روحانية وقدسية ال يشبهها شيء آخر.. ال يمكن أن تنتشر الروحانية فــــي الـــســـمـــاء كـــمـــا تنتشر فــــي رمـــــضـــــان.. ال تحتاج إلــى عـنـاء كبير لتعرف أن رمــضــان قــد أهـــل، تستطيع أن تــــعــــثــــر عـــــلـــــى رمـــــضـــــان بسهولة وأنت تسير في الشارع، أوفيطريقكإلىاملسجد،وأنتعائد إلــــــى بيتك كذلك، يمكنك أن تشاهد رمضان بوضوح في أعلى املـنـارات، ومداخل البنايات واملساجد، وبـني املتطوعني الــذيــن يــوزعــون الــوجــبــات املغلفة عـنـد إشــــارات املرور.. ستعرف أن رمضان قد أهل إذا تحولت املدينة عصرًا إلى صاج كبير لقلي السمبوسة وامتدت طوابير البشر أمام بائعي الفول... فـــي رمـــضـــان يـــزدحـــم كـــل شــــيء، يــظــهــر أنــــاس يختفون طـــوال الــعــام، يـظـهـرون فــي رمــضــان فــقــط، فــي املساجد، واملـتـاجـر، والــشــوارع، والـخـيـاطـني، واألســــواق وشاشات الـتـلـفـاز.. ينسى كـثـيـرون أن هنالك 11 شـهـرًا أخــرى في السنة.. يحتشدون في رمضان فقط، وكأنه ذروة العام، لذلك يبدو «شوال» طويال وخاليًا ووحيدًا وخائفًا، يقبل شوال كضيف متأخر إلى حفلة صاخبة منتهية للتو! رمــضــان ال يــأتــي وحــيــدًا أبـــــدًا.. تسبقه لـحـظـات جميلة وذكريات أجمل.. كذلك ال يغادر إال مصطحبًا معه كثيرًا من الذكريات واللحظات الرائعة، ال يغادر إال وقد وزع الحلوى على الكل بالتساوي، وأودع في قلوب الصائمني عيده السعيد.