الصوم عن األذية والظلم والفساد
تصور حال مسلم في رمضان يصف نفسه بالتقوى ألنه يصوم عن الطعام واملاء لكنه يـتـعـاطـى أثــنــاء صــومــه الـخـمـر واملخدرات وال يعتبرها ناقضة لصيامه بما أنه ممتنع عن الطعام واملاء، كم يبدو سخيفا ومثيرا للسخرية ويدل على جهالة وغفلة مطبقة، هـذا هو تماما حـال كثير من املــســلــمــني؛ فــلــألســف يــصــومــون عـــن الحالل مـن طعام ومــاء وال يصومون عـن املحرمات الكبرى التي ذنبها أكبر من املعصية الفردية ألنـهـا تضر اآلخــريــن ولـيـس فقط صاحبها، كما وصفهم النبي (يقرأون القرآن ال يجاوز حناجرهم) (ال يـجـاوز إيمانهم حناجرهم) البخاري. أي مجرد أداء آلي للعبادات ال أثر له في أخالقهم وسلوكهم (كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما ال تفعلون). يصومون.. ويبقى الظالم ظاملا، والفاسد فاسدا، واملؤذي مؤذيا، واإلرهـــابـــي يـفـجـر املــســاجــد ويــذبــح والديه، فالصيام ليس للشعور بالفقراء ولــو كانت هذه غايته ملا فرض على الفقراء، فالحكمة من الصيام؛ الـتـدريـب على ضبط نــزعــات النفس لتقوية االنضباط األخـالقـي الــذاتــي، وبــدون هــذه الثمرة الواقعية ال قيمة لصيامه، قال عليه السالم (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) البخاري. والزور كل ما يخالف الصواب والحق والعدل، وبصحيح مسلم (املـفـلـس مـن أمـتـي، مـن يـأتـي يــوم القيامة بصالة وصـيـام وزكـــاة، ويـأتـي وقــد شتم هــذا، وقــذف هــذا، وأكل مــال هـــذا، وسـفـك دم هـــذا، وضـــرب هـــذا، فيعطى هــذا من حسناته، وهــذا مـن حسناته، فــإذا فنيت حسناته.. أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار). ويشمل التعدي على غير املسلمني (من قتل معاهدا لــم يـــرح رائــحــة الــجــنــة) الــبــخــاري. (مـــن ظلم مــعــاهــدا، أو انـتـقـصـه، أو كـلـفـه فـــوق طاقته، أو أخـــذ مــنــه شــيــئــا بــغــيــر طــيــب نــفــس، فأنا حجيجه يــوم الـقـيـامـة) أبـــــوداود. وال توجد عــبــادة تكفر خـطـايـا االعــتــداء عـلـى اآلخرين وال الـحـج والــعــمــرة والــجــهــاد والــشــهــادة وال حتى إن كانت مـع النبي، روى الـبـخـاري؛ ملا قتل رجل اسمه «مدعم» أثناء خدمته للنبي فــي عــودتــهــم مــن غـــزوة خـيـبـر (فــقــال الناس هنيئا لــه الــشــهــادة فـقـال الـنـبـي: كــال، والذي نفس محمد بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من املغانم لم تصبها املقاسم لتشتعل عليه نارا). فبالصحيح (يغفر للشهيد كل شيء إال الدين)، قال النووى «شرح صحيح مسلم ج ص/13 :»29 «قوله «إال الـديـن» فيه تنبيه على جميع حقوق اآلدمـيـني، وأن الجهاد والشهادة وغيرهما من أعمال البر ال يكفر حقوق اآلدميني، وإنما يكفر حقوق الله».