«إال وكنِت حديثي بني جالسي»
بــعــض املــوظــفــني إذا مــا تـقـلـد مـنـصـبـًا وظيفيًا حتى لـو كــان مـجـرد رئـيـس قسم أو مـديـر إدارة خدمية أو نحوها من الوظائف التنفيذية، فإنه يــصــاب بــالــهــيــام والــعــشــق ملـنـصـبـه ووظيفته، حتى أنـهـا تـكـون شغله الـشـاغـل ليس مـن حيث االهتمام بتطوير أدائها وتقديم مبادرات تسهل العمل وترتقي به، بل من حيث أنه يمأل جلساته الـعـائـلـيـة واالجــتــمــاعــيــة بـالـحـديـث عـمـا أنجزه ومـــا مــر بــه مــن مــواقــف ومـــا اتــخــذه مــن تدابير تضمن له البقاء مـدة أطــول في موقعه، فهو إن جالس أصدقاء في مجلس أو شارك في مناسبة اجتماعية، فإنه يحرص على فتح حــوار طويل ممل حـول عمله الوظيفي، وربـمـا يتلقى سؤاال عابرًا يسأله إياه أحد الحضور عن عمله الجديد وكيف وجـده فيهتبلها فرصة لتقديم تفاصيل عــن جميع مــا يــدور فــي إدارتــــه.. الــيــوم خصمت عـلـى الــفــراش ألنــه تــأخــر فــي الـصـبـاح وجاءني بشاي بــارد.. وأحلت موظف األرشيف للتحقيق ألنه غير منظم وأريـت املراجعني العني الحمراء النظام.. النظام وال شيء غير النظام، وقد يستمر فــي اإلجــابــة عـلـى ذلـــك الــســؤال الــعــابــر ســاعــة أو ساعتني وكلما حـاول السائل صرف وجهه عنه وكــــزه بــيــده وقــــال لـــه: خـلـيـك مــعــايــا ! فيجامله الــســائــل ويــســتــمــر يــحــدق فـــي وجــهــه متظاهرًا بــاإلنــصــات إلــيــه مـــع أن قـلـبـه يــكــون فـــي صمم، وهكذا ال يجالس أحدًا إال وتكون وظيفته حديثًا بني جاسه عما بقول الناظم: وال جلست إلــى قــوم أحدثهم إال وكنت حديثي بني جاسي وال شربت نمير املــاء من ظمأ
إال رأيت خياال منك في الكاس! إن هــذا الـعـشـق للوظيفة وأضــوائــهــا قــد تجعل عاشقها يفعل أي شيء من أجلها ألن أهم شيء لـديـه هــو أال يـأتـي مــن «يــشــوش» عليه سعادته بها، ومن أجل ذلك قد يطبق قاعدة إدارية فاشلة تقول: من ال يعمل ال يخطئ فيحول إدارتــه إلى مــركــز لـــ«الــتــنــابــلــة» الــذيــن يــقـضــون جــــل أوقات الــــــدوام فــي امـــتـــداح أخــاقــه الـطـيـبـة وتسامحه معهم وحمايته لهم مـن أي مـسـاءلـة أو شكوى بـدحـضـهـا واالدعــــــاء أن كــل شـــيء عــلــى مــا يرام فإن كان رؤسـاؤه من العينة نفسها فإن مصالح الـنـاس تضيع أو تتعطل أو ال تسير حتى يتم دهن السير وعاشق الوظيفة على مكتبه الوثير ال يعلم شيئًا عما يدور!