Okaz

حرام عليك يا دياب!

-

في شهر رمضان لهذا العام فقدت أكثر من خمسة أصدقاء تغمدهم الله بواسع رحمته.. ليضاف هؤالء املتوفون إلى قائمة الفقد املادي إال أن وجودهم في داخلي قائم وراسخ. ولكي أدعم وجودهم وحضورهم في داخلي رافضا فكرة أنهم رحلوا إلــى الضفة األخـــرى، أحــرص أن ال أقــوم بحذفهم مـن جـوالـي، إذ تبقى أسماؤهم وأرقام هواتفهم كما هي، وهذا نوع من أنواع الحيل النفسية التي أخدع بها عقلي لكي أبقيهم أحياء في الدنيا يعيشون ويرزقون كما هم أحياء في داخلي مع وضع األعذار أن مشاغل الحياة تبعدنا، وهذه حيلة أمارسها مع نفسي منذ زمن، حيث أبقي أصدقائي بـجـوار ذاكـرتـي، وفـي املناسبات االجتماعية أو الدينية وأثناء إرســال رسائل التهنئة أمــارس غواية عقلي، بـإرسـال الرسالة لكل ميت بقي رقم جواله ضمن قائمة األسماء.. وزيادة في تقبل الغواية أظل أنتظر أن يرد صديقي امليت على رسالتي. وربما أغرق في اللوم عندما ال أجد ردا على رسالتي، نعم، أمـارس هذا الجنون إلى اآلن. تـذكـرت هــذه املمارسة املجنونة عندما اتصل بـي الصديق أحمد صــادق دياب، شارحًا أن ثمة تسجيال تلفزيونيًا عن عمدة الصحافة وابن جدة وحبيبها محمد صادق دياب، وأنهى شرحه بأن علي تقديم شهادة عن ذلك الطود، وافقت، وتأخرت عن املجيء خشية أن أصل فال أجد محمد صادق دياب في استقبالي! وحمدت الله أنني تأخرت، فأي جنون أن أذهب إلى مكان ال أجد فيه أبا غنوة كما كان هاشا باشا في وجهي، ويبدو أن الصديق أحمد أراد التآمر إلفساد خططي فــي إبــقــاء مــن أحــب فــي أمـاكـنـهـ­م مــن غـيـر أن أشـعـر بفقدهم وأثـبـتـهـ­م عـلـى أنهم أحياء، وأخلق األعذار بأن التقائي بأحبتي (املتوفني) حال دون إتمامه االنشغال واملشاوير الطويلة. ‪** **‬ هذه الدنيا كم من عظيم قبرته، وتلك العظمة يتفاوت ثقلها من خالل من يزنها. وقــد قــبــر محمد صـــادق ديـــاب وأنـــا أزن عظمة أبــو غــنــوة، تـلـك العظمة املترعة بخصوبة األرض. وإذا كان نيكوس كازانتزاكي­س كتب عن رقصة الزوربا في روايته الرائعة، مجيدا وصف أجمل رقصة رقصها كائن ورقي خلقته مخيلة روائـي مبدع.. فإن محمد صادق دياب رقص رقصته املبدعة على أرض الواقع، فمحمد هو زوربـا الحياة اليومية، فلم يشأ أن يكتب عوالم تضج بالحياة وفضل أن يعبرها شاهدا على عشرات الشخصيات التي فوتها وتركها سارحة في عامله الحياتي من غير أن تجذبه مخيلته الروائية من املساس بشخصياتها التي عاش معها وبها.. كثيرا ما ملته على تفويت فرصة كتابة تلك الشخصيات وتحويلها من الواقع إلى شخصيات روائية، وفي كل مرة يبتسم ابتسامته غير املكترثة: - اكتب من يا عبده، فكلهم أصدقائي وجيراني وصحبتي؟ لـم يكن أبــو غـنـوة راغـبـا فـي قطف حـيـاة الـنـاس الـذيـن عاشرهم وتحويلهم إلى شخصيات روائية، وفضل أن يتركهم في حياتهم، كل منهم يمثل زوربا، محبني للحياة والجمال والطيبة. وفي كل مرة أطلب منه أن يروي قصة أحد من أصدقائه، أجد أنه يغني بتفاصيل أولئك األصدقاء، فأصفق كفًا بكف: - حرام عليك يا محمد.!

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia