َفْزَعة امللك سلمان
كنت أضــع يــدي على قلبي وأنــا أتـابـع بقلق شديد الـتـظـاهـرات األخــيــرة فــي األردن الـعـروبـي الشقيق. لكم كنت أخشى ومعي الكثيرون من الذين يحملون هــمــوم الــوطــن الــعــربــي الـكـبـيـر، «مــعــنــاش» شــعــار رفــعــه اآلالف من األردنـيـني ومتى في شهر رمضان الكريم كـان له دالالتــه اإلنسانية الكبيرة. كنا نخشى من موجة ثانية أو ارتدادية متأخرة للربيع العربي طالت األردن للمرة الثانية، فاملؤامرة التي تريد النيل منا لم تنته، والفتنة وكما نرى في أعلى موجاتها السياسية والدينية واالجتماعية. كنت أخشى على األردن البلد الذي يمثل امتدادا جغرافيا للحجاز ومعبرا ومفصا جغرافيا نحو باد الشام، من االنزالق نحو الدوامة التي تجتاح سوريا ولبنان والـعـراق وتحيط به من صــوب، ولكن الله ستر مـن خـال حكمة القيادة السياسية وتـصـرف قــوات األمن بشكل عال من االنضباط والــذي يحمل الكثير من القيم اإلنسانية في التعامل مع املتظاهرين والذين أثبتوا لهم أنهم جزء منهم وأنهم في النهاية مواطنون متساوون في السراء والضراء.. وكما ردد من قبلهم املصريون جيش وشرطة وشعب يد واحدة، وهو الشعار الذي أرعب العالم.. هــذه املـشـاهـد ذكـرتـنـي بـاملـوجـة األولــــى مــن الـربـيـع الـعـربـي والتي اجتاحت األردن حينها، والتي ركبها اإلخوان وكعادتهم في كل مكان، ومازلت أتذكر تصريح نتنياهو حينها حيث قال إن الدور قادم على األردن ولكن الله ستر بــاألردن وبالكثير من الباد العربية، وحني انتفض الشعب املـصـري ولفظ اإلخـــوان وحكمهم ووأد مشروعهم أينما كـان في املغرب واملـشـرق العربي، وكانت ضربة موجعة لهم ولكل القوى اإلقليمية والدولية التي كانت خلفهم تساندهم. لقد تصرفت القيادة األردنية بمسؤولية كبيرة، ولكن أصحاب القرار والحكماء من العرب وعلى رأسهم جالة امللك سلمان يعلمون أن هذا ليس كافيًا وحده الحتواء األزمـة، وال يمكن أن يترك األردن وحيدًا يواجه العاصفة والتي مازال يدفع أثمانا كبيرة نتيجة تداعياتها فــي ســوريــا والـــعـــراق عـلـى اقــتــصــاده، فـكـانـت مــبــادرة املــلــك سلمان فزعة عروبية أصيلة لطاملا عهدناها من القيادة السعودية وعلى مــر الـعـصـور املختلفة عـبـر تـاريـخـنـا الــحــديــث، مــن خــال مواقفها العروبية املشرفة مع كل الباد العربية ودون استثناء. إن دعوة امللك سلمان حكيم العرب للقمة الرباعية في مكة لتحتضن األردن واإلمارات والكويت لبحث سبل التعاون مع األردن ومساعدته لـلـخـروج مــن األزمـــة االقـتـصـاديـة هــي خـطـوة عـلـى طـريـق التكاتف العربي والتي هي نهج أصيل للمملكة ولدول الخليج العربي وعبر تاريخها الطويل. أنـا أؤكــد على املـوقـف القومي العروبي ألننا الـيـوم نخوض حربا تـهـدد قوميتنا وتــحــاول محاصرتنا تحت غـطـاء إسـامـي طائفي مذهبي، ولكنها في حقيقتها حرب فارسية تهدد وجودنا العربي، وهــذا ما يعيه جيدا وبكل أبـعـاده ومخاطر تداعياته قــادة اململكة واإلمارت والكويت واألردن. سيبقى امللك سلمان ونهجه العروبي طريقا ستسير عليه األجيال طويا ألنـه السبيل الوحيد لبقائنا، فنحن الـيـوم نخوض معركة وجود وحياة، ضاعت باد من حولنا نحاول جاهدين استعادتها لـلـصـف الــعــربــي، ورغــــم كــل مــا تــقــدمــه دول الــتــحــالــف الــعــربــي من تضحيات جـسـام، وال مـجـال لضياع بــاد أخـــرى، فاملخطط مازال قائما، وأطرافه مازالوا من حولنا بنا متربصني. تحية حب ووفاء إلى جالة امللك سلمان، «معناش» كانت صرخة ألم لعضو مهم من أعضاء الجسد العربي وفي الشهر الكريم، تداعى لها امللك سلمان واستجاب، ليحتضنها ويحتويها، سيبقى جالة امللك سلمان مدرسة للعروبة والتآزر سيتخرج منها الكثير من األجيال..
* كاتب وباحث