Okaz

األردن في عني امللك سلمان

-

قبل نهاية هذا األسبوع أعلن امللك سلمان بن عبدالعزيز عن مفاجأة سياسية مدوية بدعوته ألربع دول مؤثرة ورئيسية في املنطقة الجتماع عاجل في مكة املكرمة للتباحث حول األزمة األردنية املتفاقمة منذ أسابيع، الدعوة امللكية التي شملت األردن نفسها والكويت واإلمارات إضافة للبلد املضيف السعودية تؤكد أن حلفا يتخلق في الشرق األوسط قوامه إضافة للدول األربع البحرين ومصر، وبذا يتشكل تحالف سداسي هو األقوى في املنطقة العربية منذ اتفاقية سايكس بيكو قبل قرن من اآلن. أمـا ملــاذا هـو األقــوى فـأن مـا تواجهه الـيـوم املنطقة مـن أخـطـار حقيقية وشيكة الـوقـوع إن لم يكن قد وقع بالفعل أجــزاء منها، هي في خانة حـروب الوجود إلنشاء كيانات وتقسيم الدول وتصعيد منظمات واستبدال حكومات وهــدم واقـتـاع الـدولـة الوطنية بشكلها الحالي التي تشكلت بدماء االستقال قبل مئة سنة على األقل.

ملاذا األردن بالذات..

األردن هو الخاصرة العربية الرخوة حاليا، فهو يقع في منطقة بني عراق ضعيف لم يتعاف من احتال وحرب أهلية وانقسام عميق في مكوناته، وبني سوريا املدمرة الواقعة تحت أعنف حروب الجماعات املسلحة أدت ملقتل وتشريد ولجوء حوالى عشرة مايني إنسان معظمهم اليوم بني العراق واألردن، ونظام بشار األسـد الخائن لوطنه ومستقبله والخاضع لـإرث واألحام الفارسية، إضافة لتماسه مع إسرائيل من الجهة الغربية، ولذلك فسقوط األردن ال سمح الله يعني انكشافا كاما للدولة العربية «الشامية» الوحيدة الصامدة أمام امتداد الهال الشيعي السياسي مــن طــهــران إلــى بــيــروت، وتــقــدم اإلسـرائـي­ـلـيـني خـطـوة نحو حـــدود لــم يسبق لهم أن وصلوها، شمال الجزيرة العربية. إصرار قطر واإلخوان «املسلمني» على إسقاط األردن يهدف بشكل رئيسي ملجموعة من األهداف السريعة.. أوال.. تخفيف الضغط عن االقتصاد التركي املتهاوي وصرف نظر املستثمرين الذين يحاولون الهروب باختاق مشكلة اقتصادية أخرى في األردن. ثانيا.. خدمة الحلم اإليراني إلكمال سيطرته على الشام العربية وإرباك املنطقة التي تتصدى للمشروع الفارسي النووي. ثـالـثـا.. ابــتــزاز دول املقاطعة األربـــع الـتـي تقف أمــام اإلرهـــاب القطري بمحاولة إسـقـاط األردن وإشغالها باملحافظة عليه. وأخيرا إنهاء دور القصر امللكي األردني وتحويله لنموذج للسيطرة على الدول امللكية، وبذلك يكون «القصر» مجرد كيان شرفي بتسليم رئاسة الــوزراء لجماعة اإلخــوان، ومن هنا يتحقق «حلم اإلخوان» بسقوط أول عاصمة ملكية عربية تحت سيطرتهم وتهميش امللكيات وتصعيد التنظيمات اإلرهابية لحكم املنطقة. لقد دخـل العرب خـال املئة عـام املاضية في مواجهات ساخنة إال أن أكثرها خطورة هي نقل املعركة مع الخارج إلـى الداخل بني «الشعوب والحكومات»، وهـو ما نجح في تونس وليبيا واليمن وسوريا وكاد أن ينجح في البحرين ومصر واليمن واآلن في األردن لوال الحزم والعزم واليقظة السعودية التي تقدمت نيابة عن كل الشرفاء في العالم العربي للتصدي بكل شجاعة ومهما كانت الكلفة لهذا املشروع املدمر. األزمة االقتصادية في األردن ليست جديدة واألردن بالفعل ليست لديه موارد سهلة يستطيع أن يحقق بها تقدمه االقتصادي الخاص به، إال أن األردنيني يتملكون مقومات هائلة يستطيعون من خالها التحول لنمر اقتصادي في منطقة تبحث اليوم عن دولة تكون هي امللقم للكفاءات ومنصة وإعادة البناء في العراق وسوريا. ومن هنا تأتي دعوة امللك سلمان العاجلة أو ما يمكن أن يطلق عليها مشروع مارشال السعودي ملساعدة «األردن» لتحفيز اقتصادها للخروج من هذه األزمة. األردن تمتلك العقول والتعليم الفريد كذلك آثارا إنسانية ال يمكن منافستها، فلديها «املغطس» وهو أحد أهم اآلثار املسيحية إن لم يكن أكثرها أهمية وتستطيع أن تحوله ملزار سياحي ألكثر من 5 مليارات مسيحي حول العالم، إضافة إلى البتراء وآثارها الفريدة، أرض زراعية نادرة، بوابة للقدس وممر سياحي ديني لفلسطني، بالطبع األردنيون يعلمون ذلك وربما هناك الكثير لكنه تذكير ببعض املحركات التي تستطيع أن تحول األردن إلــى قــوة اقتصادية مميزة في املنطقة. عـودا على االجتماع التاريخي الـذي يذكرنا بـأن الشرق األوســط شهد خـال العقدين املاضيني صـدامـا عنيفا بـني حلفني متضادين، األول يضم دول وتنظيمات الـشـر، هـي إيران وقـطـر وحــزب الـلـه وعصائب الـحـق والحوثيني وحـمـاس والـقـاعـد­ة وجبهة النصرة وداعش، ويقف على أطرافه بعض الدول اإلقليمية، الحلف الثاني يضم السعودية والبحرين واإلمارات ومصر واألردن، هذان الحلفان يمثان طريقتني مختلفتني في التفكير السياسي واالقتصادي والعسكري، ولذلك يتصادمان وال يلتقيان. األول «اإليراني» يسعى لهدم املنطقة وإعادة بنائها من جديد على شكل ثوري صدامي تقوده األوهــام الخاطئة والـتـراث املنقطع، ويبحث عن املــوت ويكرس إمكاناته وأمـوالـه لـه، والثاني «السعودي» يبني للحياة ويهدف إلى حماية الفضاء السياسي العربي من االنهيار والسقوط فـي دوامــة الـحـروب األهلية ويسعى إلـى بناء اقتصاد متكامل يبدأ فـي أبوظبي وينتهي في القاهرة، ومن هنا سيتم فتح الباب لـأردن للدخول في هذا «الطريق» الذهبي الـذي سيصنع مستقبل املنطقة ورفاه شعوبها.

 ??  ?? @massaaed محمد الساعد m.assaaed@gmail.com
@massaaed محمد الساعد m.assaaed@gmail.com

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia