التغيير و«دفن» املهن!
طبيعة الحياة متغيرة كما قال أحد الفاسفة، إذ ال يوجد فيها ثابت إال التغير نفسه. وشهدنا في هذا العصر مهنًا كثيرة لم نعد نرى لها وجودًا. أضحى بعضها نادرًا، إذ هيمنة علوم حديثة، أو تكنولوجيا، أو ثقافة جديدة بإمكانها أن تغير الكثير على األصعدة كافة. وبات من املمكن أن يتغير شكل مهنة، أو تلغى نهائيًا، أو قد تنشأ مهنة جديدة نتيجة التغيرات التقنية العصرية التي تكتب لها الغلبة، في عالم أضحت التكنولوجيا تتحكم باتجاهاته، بما تقدمه من وسائل إنتاج جديدة، واختصار للنفقات، وتفوق مستويات الجودة. فقد بدا أخيرًا، مثا، أن شيوع برامج الحكومة اإللكترونية يضرب مهنة «التعقيب» في مقتل. وهو مسار توسعت فيه السعودية خال األلفية الثانية، وحققت فيه تقدمًا مشهودًا في املؤشرات الدولية املعنية بهذا الشأن. ومـا ينطبق على املهن ينطبق على القطاعات التجارية والخدمات. فقد بدأنا نشهد تراجعًا في عدد مكاتب السياحة والسفر، التي ما كان ليخلو منها شارع، بعدما شاعت خدمات الحجوزات اإللكترونية لتذاكر السفر والفنادق؛ حتى إنه لم تعد حاجة لاصطفاف بغرض استخراج إذن املرور لركوب الطائرات. وأضحى ممكنًا أن تختار مقعدك على منت الطائرة عند شرائك التذكرة إلكترونيًا، من دون أن تحتاج إلى موظف الحجز. ولــم نـعـد نــرى أيــضــًا مــحــات الـتـصـويـر، وتحميض األفــــام، ألن جــهــاز الـهـاتـف املـحـمـول الــذكــي جعل مستخدميه في غنى عن كل تلك الخدمات. وأضـحـت الـشـركـات الصانعة للهواتف النقالة تتنافس فـي مـا بينها بناء على قـدراتـهـا على تطوير كاميرات منتجاتها الجديدة، وتطور أفضل أنواع الشاشات لتكون في أفضل قدرة على عرض ما تلتقطه كاميرا الهاتف. واختفت تمامًا «كبائن االتصاالت»، التي انتشرت على أوسع نطاق لتوفر خدمة االتصال الهاتفي املحلي والدولي. ومرة أخرى كان الهاتف املحمول هو قاتل هذا النشاط التجاري، إذ أضحى يقدم خدمة االتصال الدولي واملحلي مجانًا، من خال بعض التطبيقات. ولم تعد املكاملات الصوتية وحدها متاحة مجانًا، بل املرئية أيضًا التي تتيح للمتصل االطمئنان الكامل على أفراد أسرته وأصدقائه وكأنه يعيش بينهم. وجــــاءت تـكـنـولـوجـيـا ضــغــط املــلــفــات الــصــوتــيــة MP3 لـتـقـضـي عــلــى تـكـنـولـوجـيـا الــشــريــط الكاسيت، وتكنولوجيا القرص املدمج التي سددت له بدورها ضربة قوية، قبل أن تقضي تكنولوجيا MP3 عليهما معًا. حـتـى الـصـحـافـة واإلعــــام نـشـأت فيهما مـهـن تتطلب مــهــارات ومــعــارف جــديــدة. ولــم يـعـد ثـمـة وجود ملهن ارتبطت بالصحافة منذ نشأتها، فقد ألغى استخدام الكمبيوتر فـي الصحف وظـائـف منضدي الـحـروف التي يتم صفها بمعدن الـرصـاص السائل. وملـا أضحى الكمبيوتر الشخصي وشبكاته أمرًا شائعًا وميسورًا، اختفت أيضًا وظيفة من يتولون طباعة األخبار واملقاالت، مثلما انقرضت تمامًا مهنة الخطاط في الصحافة وعلى شاشات التلفزة. وقس على ذلك مهنًا كثيرة. وال نعلم كم من املهن واألدوات والثقافات ستتغير، وسيأتي غيرها ليجب ما قبله، ماسحًا كل أثر لها، وليضعها على رف الذكريات. والعبرة في املسألة ليست مجرد تأمل وقوة ماحظة؛ بل إن هذه التغييرات تطلق رسالة واضحة مفادها أننا يجب أن نفكر على الدوام في تطوير ذواتنا وأدواتنا، لنكون أكثر قدرة على مسايرة ما يستجد من متغيرات، خصوصًا أن منصات التطوير اإللكتروني والصناعي، وآفاق الذكاء االصطناعي أضحت با سقف، وبا حدود. الـرسـالـة: طــور نفسك. طــور تجارتك. فـكـرك. مـهـاراتـك. واســع إلـى تطوير مـن حـولـك. ساهم فـي نشر فكر التطوير. والرسالة األكثر أهمية: تذكر دائمًا أن التغيير هو من ضرورات الحياة.