Okaz

واكتب لي مقالاً وامدحني «حكاية إميل زولا»

- أريج الجهني * Amaljuhani@ksu.edu.sa

إن المتابع للحراك الثقافي في المجتمع يجد تنوعا جميلا في الطرح الفكري، بالطبع ليس بالضرورة أن يعجبنا كل شيء، لكن هناك اجتهادات متنوعة بعضها حقيقي وبعضها مزيف، وهدفه البريق فقط تحت الأضواء، كل هذا لا يهم طالما أننا نستطيع رصد هؤلاء الحقيقيين، ولكن كيف يصنف نعوم تشومسكي المثقفين؟ وم�ا هي مسؤولية المثقف الحقيقي التي طرحها في مقال ثم ضمنها في كتابه «من يحكم العالم»، تصنيف تشومسكي سيجعلك تفهم جيدا المشهد الثقافي أو ربما يكون أداة للمهتمين أو حتى أصحاب السلطة لاختيار من يمثلهم. ب�داي�ة ي�ع�رض تشومسكي قصة ال�ك�ات�ب والأدي� ب الفرنسي الشهير «إميل زولا» صاحب المقال «إني أتهم» الذي جاء في الدفاع عن الجندي الفرنسي «دريفوس» والذي اتهم بالخيانة العظمى، ثم اتضحت براءته ومُنح العفو، تشومسكي يعد أحد عوامل ظهور براءته بل السبب الرئيسي هو هذا المقال ال� ذي ن� ش� ره زولا م� داف� ع� ا ع� ن ه� ذا ال� ج� ن� دي، وال� ذي وج� ه� ه حينها لرئيس الجمهورية الفرنسية، حيث اعتقد زولا أن سبب تهمة ه�ذا الجندي سبب عنصري. رغم ذلك واجه زولا العديد من العذابات بسبب دفاعه المستميت عن المظلومين والفقراء وعمال المناجم، ه�رب إل�ى لندن لزمن وع�اش بها مشردا مهموما ث�م ع� اد لاح�ق�ا ول�ق�ي حتفه مختنقا ف�ي غ�رف�ت�ه، حينها ل�م تعلن السلطات الفرنسية أن كان حادثا عرضيا أو جريمة قتل، ولكنه دفن في مقبرة عظماء فرنسا، وتباكت عليه لاحقا الصحف والأوساط الثقافية، ونعاه روزن إن في كتاب «اختفاء زولا». الحقيقة لا أعلم ما هي أدوات تحكيم المقالات والأفكار بالمجمل، بل ما كفاءة المحكمين، والأه� م م�ن يستمع ل�ه�ؤلاء، لعل وزارة الثقافة تعقد ورش�ة عمل تدعو لها صناع الصحافة والكتاب والمثقفين لوضع ميثاق ثقافي وفكري، أو حتى خريطة عمل لما نمتلكه وما نحتاج إليه، التخطيط الثقافي إما أن يقوم من حاجة اقتصادية ملحة فيكون خطنا براغماتيا عالميا، وإم�ا أن يكون اجتماعيا تقليديا يمارس دور الموجه، وهذا سيكرس الفكر الوصائي الذي قد لا يتناغم كثيرا مع رؤية ٢٠٣٠ ولا يخدمها. نعود لعرض تصنيف نعوم تشومسكي للمثقفين، فهو يصنفهم لنوعين لا ثالث لهما «المثقف الحر أو المستقل، ومثقف السلطة، أو كما حددهم أعضاء الأكاديمية»، ويعني تشومسكي ب�الأول هو المثقف الذي ينطلق من الحس الأخ�لاق�ي بأهمية الوعي والضمير مهما كلفه الثمن، وض�رب أمثلة بعدد م�ن الفلاسفة أم�ث�ال رس�ل وك�ان�ط، وبالثاني يعني المثقف ال� ذي يعي دوره الثقافي ول�ك�ن ب� ذات ال�وق�ت ي�ع�زز قيم الم�ؤس�س�ات ال�ت�ي يمثلها، واستشهد بجون ديوي وفلسفته، وأكد كيف عاد لاحقا ليؤكد ض�رورة تعزيز مفهوم الصحافة الحرة. المثقف الحر والمثقف المسؤول كلاهما ضرورة للمجتمع، بناء أصوات ثقافية شابة حاجة ملحة لنفهم أي�ن نحن وإل�ى أي�ن سنذهب، بل ال�واق�ع يؤكد أن المثقفين بمختلف توجهاتهم يدعمون سلطة ال�دول�ة ويقفون بينها وبين أصحاب المصالح العليا أو لنقل المتنفذين، وه�ذا ما أش�ار إليه تشومسكي أيضا، فمن خلال رفع الوعي يصبح هناك وقاية من المنتفعين، الآن هل يواجه المثقف السعودي أزم�ة مع ال�ش�ارع؟ وه�ل المثقف يتحدث من برجه العاجي كما يصف البعض مثقفينا، ه�ذه أسئلة ليست ل�إج�اب�ة إن�م�ا للمعالجة، والمعالجة تأتي بمعالجة الخطاب المجتمعي والعمل الجاد لتنمية مهارات التفكير والأهم إدراج الفلسفة كمقرر رسميا في مراحل التعليم العام. * كاتبة سعودية

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia