االدخار واالستثمار الذي أهمله تعليمنا !
عـــنـــدمـــا كـــنـــت طـــالـــبـــًا فــــي املـــرحـــلـــة االبتدائية واملـتـوسـطـة كــان مــن الـتـقـالـيـد املــدرســيــة وقتها أن تدعو اإلدارة املدرسية بشكل بسيط طالبها وربما معلميها لالدخار واالستثمار في مقصف املدرسة وكان ذلك بالنسبة لنا حدثًا مهمًا نتزاحم فيه لوضع قليل من املال لتأسيس املقصف املدرسي، هذا االستثمار واملساهمة جعلتنا ننتمي بشكل أو بـآخـر للمقصف املــدرســي لـلـشـراء مـنـه قبل وأثناء وبعد انتهاء اليوم الـدراسـي ألجـل إنجاح استثمارنا البسيط فـيـه ثــم ننتظر لنهاية الــعــام الــدراســي عـنـد استالم الـشـهـادات لنجد جـائـزة أخــرى بجانب النجاح وهــو استالم املبالغ املتحصلة مما استثمرناه برياالت قليلة.. وقتها ربما كانت فرحة دخلك االستثماري أكبر من فرحة نجاحك وتفوقك فتصور أنك تخرج بشهادة النجاح ومعها مئة ريال مثال هي حصيلة مساهمتك املثمرة في مقصف املدرسة. ظــل املــقــصــف املـــدرســـي يـمـثـل لــي عــلــى الـصـعـيـد الشخصي الجهة الـوحـيـدة الـتـي استثمرت فيها بــأمــان فــي تلك األيام ! وحـصـلـت مـنـهـا عـلـى نـسـبـة عــائــد اســتــثــمــاري لــم يــــوازه أي عائد على الصعيد النفسي واملـــادي..! كما ظل أيضًا املعرفة العملية الوحيدة التي تلقيتها في كل مؤسسات التعليم منذ االبتدائية وحتى مرحلة الدكتوراه. ربما تكون هذه التجربة قد تجاوزها الزمن بالنسبة لوزارة التعليم وبالتالي فالمجال لتكرارها ولكن لدي اعتقاد راسخ بأن مؤسسات التعليم عليها دور كبير في تزويد وإثراء معرفة طالبنا وطالباتنا في مختلف مراحل التعليم ملواد ومناهج تعليمية تنشر ثقافة املعرفة املالية ومـبـادئ اإلنـفـاق الذكي واالدخار واالستثمار في األجيال الجديدة حتى يتحول ذلك إلـى أحـد مصادر القوة االقتصادية لهم وينعكس أثــره على الناتج اإلجمالي لبالدنا في ما بعد..
مـــعـــدالت االدخــــــــار واالســـتـــثـــمـــار واإلنــــفــــاق الـــذكـــي لألفراد والعائالت هي أحد املؤشرات املهمة التي تقاس بها مؤشرات ومحركات التنمية ورفاهية املجتمعات وكلما ارتفع معدل االدخار واالستثمار على فترات زمنية طويلة وتنوعت األدوات االسـتـثـمـاريـة مــا بــن صـنـاديـق الـتـقـاعـد والـتـوفـيـر وبورصة األســـهـــم والـــعـــوائـــد الــعــقــاريــة وصـــنـــاديـــق الــتــأمــن الصحي والتعليمي.. الـخ كلما ازدادت مؤشرات التنمية االقتصادية في االقتصاد ككل وتؤمن لألفراد والعائالت عوائد تجعلهم يؤمنون حياة كريمة وتقاعدًا مريحًا. مرت ببالدنا طفرتان نفطيتان بالتأكيد لم تخل من قصص نجاح واقصد هنا على مستوى األفراد ولكن كان بإمكاننا أن نعظم قصص النجاح ونطور من اقتصادنا الوطني ونتالفى كثيرًا من املآسي التي حاقت بالعائالت واألفــراد لو توافرت لديهم معرفة وثقافة االدخار واالستثمار واإلنفاق الذكي لو توافر ذلك أو وفرته مناهج التعليم والدراسة منذ الطفولة ملــا سـكـبـنـا مـعـظـم عــوائــدنــا املــالــيــة عـلـى شـــراء أراضــــي بـــور ! ودفـنـا مـا جنيناه فيها مـن عـوائـد النفط فـي رمــال التتوقف حركتها ! نعم رأينا في الطفرات النفطية أفـرادًا تحولوا إلى مليونيرات ولكننا كنا شهودًا على مليونيرات تحولوا إلى فقراء ومديونن ومرهونن بقية أعمارهم ! لو توافر ذلك ملا خــدع الكثير فــي شــركــات مساهمة هـالمـيـة لـيـس لـهـا وجود على األرض أو في قصص مضحكة بــدأت بمكائن ستينجر وبطاقات سوا ولن تنتهي ببورصة «التيوس والنياق» ! رؤيـــة 2030 جـــاءت لتعالج كــل الـتـشـوهـات املـاضـيـة وكنت بفضل الله شاهدًا ومشاركًا فيها منذ والدتها وحتى إطالقها وتــحــدثــت عــن مــبــادئ الــتــرشــيــد واإلنـــفـــاق الــذكــي واالدخـــــار واالستثمار الحقيقي، ومن املعروف أن أي معالجة ألمراض مستشرية وبـعـضـهـا مستعصية سـتـكـون مــؤملــة إلــى حــد ما لتغيير الـنـمـط الــســائــد بــن األفـــــراد والــعــائــالت لـكـن مناهج ومـؤسـسـات التعليم إلــى حــد اآلن مـتـأخـرة عــن مـسـايـرة هذه املـعـالـجـة ولــم تـسـاعـد بـعـد بنشر وتـحـريـر هــذه املـفـاهـيـم في االدخــار واالستثمار واإلنـفـاق الذكي وتجعلها ثقافة سائدة بن صغارنا قبل كبارنا.. كلنا نعرف كثيرًا من النخب املتعلمة لم تتحرر هذه املفاهيم في أذهانهم بشكل واضح وثقافتهم االستثمارية متواضعة وما زالوا إلى اآلن يبحثون عن مدرسة تمنحهم نـهـايـة الــعــام شــهــادة الـنـجـاح مــع عــائــد استثماري يوفره لهم مقصفهم الصغير !