فلسفة الالمساواة
غالبًا مـا تنتهي جميع الــثــورات بــاالرتــداد عليها واالنــقــالب على رموزها الـتـاريـخـيـن، وكـلـمـا كــانــت هــذه الــثــورات أكــثــر عنفًا وشــراســة جـــاءت هذه االرتـــدادات بنفس القوة والعنفوان، هـذا ما يقوله «نيوكوالي بردياييف» في كتابه «فلسفة املساواة» الصادر عام ،1329 والذي سبق وأصدر الرئيس الروسي «بوتن» تعميمًا لسائر العاملن في إدارة الدولة الروسية بقراءته، وقــد وجـدتـه يحتل «فـاتـريـنـات» املكتبات الـروسـيـة أثـنـاء زيــارتــي األخيرة ملوسكو وكأنه مؤلف باألمس القريب، بعد أن أعيد اكتشافه، والــذي سبق أن عارض مؤلفه الثورة الروسية وهي في أوج عنفوانها وذروة شعبيتها وتنبأ لها بالفشل والخسران، وربما تقاطعت كلماته مع «كـاراليـال» الذي يقال بأنه أفضل من أرخ للثورات وفسر أسبابها كونه نتيجة لفقدان مركز الحياة العضوي، ولكاتبنا رأي مــواز وهـو أن الـثـورات الكبرى ذات مسار حتمي، وكلها تفيض بالعنف والثأرية والتطرف وتنتصر فيها االتجاهات األكـثـر تطرفًا مـن داخــل قــوى الــثــورة نفسها، وأنـهـا كانت توقظ العاصفة املظلمة والـشـريـرة فـي نفس اإلنـسـان دون غيرها مـن القيم على حـد قوله، ولعل هذا ما نلمسه حقيقة في كل االنقالبات والثورات التي اجتاحت املنطقة العربية والعنف الـذي صاحب أحداثها والــذي يفسر هـذا الكتاب أسبابها قبل حدوثها، ورغـم أن النسخ األصيلة من هذه الثورات تراجعت وفشلت، فماذا يمكن أن نقول عن النسخ املقلدة وهي النسخ الرديئة التي قلبت الهرم السياسي واالجتماعي رأســًا على عقب فـي عهد االنـقـالبـات العربية التي سميت زورًا وبهتانًا بالثورات، فخلفت لنا هذا الواقع املـزري الذي تعيشه الشعوب العربية، وتدفع فاتورته األجيال املتعاقبة، ورغـم أن كاتبنا أشار صراحة إلـى أن روح الشعب الـروسـي روح معقدة ومشوشة اصطدم فيها تــيــاران مــن الــتــاريــخ الـعـاملـي الـشـرقـي والــغــربــي، وهــــذان الــتــيــاران لــم يجدا ترجمتهما العضوية في شخصية كاملة وهو ما مهد لقيام الثورة، فقد كان يؤكد على أن اململكة الذكورية «روسـيـا» كانت تنمو بقشرة ثقافية رقيقة ساهمت في انتكاسة هذه الثورة، فماذا يمكن أن نقول إذن عن االنقالبات التي حدثت في العراق وسورية ومصر وليبيا وارتكبت فيها فظاعات غيرت مجرى التاريخ العربي ! ورغم أن هذا الكتاب قد ترجم لكل لغات العالم بما في ذلك العربية، فهو يقدم تفسيرًا ضمنيًا ومنطقيًا للثورات العربية الالحقة وألي ساللة اجتماعية ينتمي أتـبـاع هــذا العهد البائد فـي عاملنا العربي والـذيـن رضـعـوا الثورة السوفيتية ونظامها الشيوعي واالشتراكي وأسسوا لجمهوريات «كرتونية» ظلت تغلب عليها الشعارات في الحرية والوحدة والديمقراطية قادت إلى هـذا الـواقـع العربي الــذي نعيشه، ومـن مفارقات القدر أنهم كانوا أبعد ما يكونون عن هذه املفردات الثالث من أي نظام آخر في العالم أجمع.