Okaz

ترمب.. تغيير قواعد اللعبة !

-

مـــــن أهــــــم مـــعـــال­ـــم األنــــظـ­ـــمــــة الديموقراط­ية استقرارها. وهذا يعود لرسوخ قاعدة التداول الــســلــ­مــي لــلــســل­ــطــة، حــيــث تــحــتــك­ــم مؤسسات الدولة ورموزها لخيارات اإلرادة الشعبية، كمصدر حصري وحـيـد لشرعيتها السياسية. فـي األنـظـمـة الديموقراط­ية ال «قـدسـيـة» للمؤسسات وال لـلـرمـوز، وال حتى للدستور، خارج اإلرادة العامة للناس، التي تتجلى عن طريق آليات االنتخاب واالستفتاء، حيث يتحدد مصير رموز السلطة.. وشكل مؤسسات الحكم، بل وحتى مصير الكيان السياسي نفسه (الدولة). الـقـول بسلمية العمل السياسي، ال يعني الـزعـم بالقضاء على ظــاهــرة الــصــراع على السلطة. على العكس مــن ذلك تـمـامـًا. فـي املـمـارسـ­ة الديموقراط­ية هـنـاك تأكيد لحركية الصراع السياسي، على مستوى الرموز واملؤسسات... بل وحتى على مستوى التوزيع الجغرافي للدولة. لكن، هذا الــصــراع عـلـى السلطة فــي داخـــل املجتمع الديموقراط­ي، وإن كــان حـــادًا فــي خــطــابــ­ه.. مستقطبًا فــي حـركـتـه، ماكرًا فــي مــنــاورا­تــه و«تـكـتـيـكـ­اتـه»، إال أنــه ال يـخـرج عــن سلمية حركته. هناك، في كل األحوال، مجال ليسفر الصراع األزلي على السلطة عـن واقعية حقيقته، فـي إطــار قيم املمارسة الديموقراط­ية، التي تهدف إلى «ترويض» حركة الصراع على السلطة في املجتمع، ال تجاهلها.. أو كبتها. فــي الــديــمـ­ـوقــراطــ­يــة، أيــضــًا: لـيـسـت هــنــاك حقيقة مطلقة.. ولــيــس هــنــاك مـــن يــدعــي امــتــاكـ­ـهــا أو احــتــكــ­ارهــا. هناك بدائل متعددة، وقد تكون متضاربة، لحل مشاكل املجتمع السياسية واالقتصادي­ة واالجتماعي­ة، واملرجع دائمًا تكون اإلرادة الـعـامـة الخـتـيـار أي مـنـهـا، لـتـأخـذ فرصتها فترة زمنية محدودة. ال يمكن أن يعزى أي انتصار عسكري.. أو نمو اقتصادي.. أو نجاح في السياسة الخارجية، لشخص مــعــني.. أو حـــزب بـعـيـنـه.. أو نـخـبـة سـيـاسـيـة بــذاتــهـ­ـا. هذا فرق أساس بني األنظمة الديموقراط­ية واألنظمة الفاشية. بريطانيا انتصرت في الحرب العاملية الثانية ألن الشعب الــبــريـ­ـطــانــي، ولــيــس ونــســتــ­ون تــشــرشــ­ل، اخـــتـــا­ر مواجهة األطماع التوسعية لهتلر في أوروبا. بينما انهزمت أملانيا في الحرب، ألن قـرار الحرب كان قـرار هتلر وليس الشعب األملاني. في الواليات املتحدة، هذه األيام، بوادر لتحول خطير في حركة وقيم املمارسة الديموقراط­ية. لم يحدث، في تاريخ الواليات أن تجرأ أي سياسي أو حزب، على قاعدة التداول السلمي للسلطة.. ولم يحدث في تاريخ الواليات املتحدة، أن أقدم أي من رؤسائها، أن يضع الشعب األمريكي في خيار بينه أو الفوضى والفقر. كما لـم يحدث أن انـحـاز رئيس الــبــاد أو اســتــجــ­دى فـئـة مــن املـجـتـمـ­ع وحــرضــهـ­ـا، لدرجة اللجوء للعنف وتحدي قيم علمانية الدولة للحفاظ عليه في منصبه بدعم حزبه الذي يمثله في الحكومة، ليحول دون املضي في إجراءات عزله، في حال ما تغيرت تشكيلة الخريطة السياسية في الكونغرس، الخريف القادم. قـد يــرى البعض أن هــذا التصرف مـن قبل الرئيس ترمب مـتـسـقـًا مــع وعــــوده االنــتــخ­ــابــيــة: بـــأن يـــحـــدث «ثـــــورة» في واشنطن، على النخب واملؤسسات التقليدية.. وأن يقضي على نفاق الصحافة وكذبها وتضليلها، على حد زعمه. لقد ظهر هذا العداء لقيم وحركة املمارسة الديموقراط­ية، في ما يخص تقليد التداول السلمي للسلطة مبكرًا، عندما قال عشية انتخابات 2016 الرئاسية، وقبل أن تعلن نتيجتها، أو حتى تظهر مؤشرات توجهها: إنه لو خسر تلك الليلة، فإنه لن يعترف بالهزيمة! سلوك لم يسبقه أحد من الرؤساء األمريكيني... وكأنه كان يعرف مسبقًا، أنه سيفوز في تلك االنتخابات، بطريقة أو بأخرى! كما أنــه فـي تقاليد املـمـارسـ­ة الديموقراط­ية، لـم يـسـفـر أي رئيس أمريكي، في بداية واليته األولــى، أنه يسعى للفوز بوالية ثانية. عـادة ما يسفر عن مثل هذه الطموحات، إن وجــدت، قبيل االنتخابات التمهيدية الحزبية، في السنة األخيرة من واليـة الرئيس األولــى. لكن الرئيس ترمب من أول يوم دخل فيه البيت األبيض عبر عن طموحه في والية ثانية! امللفت هنا: أن نبرة طموحه البقاء في البيت األبيض زادت هــذه األيــــام، عـنـدمـا أخـــذت تحقيقات روبــــرت مولر تضيق عليه، مع احتماالت ظهور قرائن لتورطه فيها. ســـلـــوك الــرئــيـ­ـس تـــرمـــب غــيــر الــتــقــ­لــيــدي ولــهــجــ­ة خطابه السياسي الحاد، ال تعكسان اتساقًا مع برنامجه االنتخابي الــشــعــ­بــوي، بــقــدر مــا تـعـكـسـان تحسبه لـتـطـور احتماالت عزله، ليصبح أول رئيس للواليات املتحدة يتم عزله من منصبه. وإن له أن يتفادى ذلك بتقديم استقالته، مثل ما فعل الرئيس نيكسون ..1974 أو يبدأ بإجراءات عزله في مجلس الــنــواب وال يـتـم الــعــزل فــي مجلس الــشــيــ­وخ، كما حدث مع الرئيسني أنــدرو جونسون 1868 والرئيس بيل كلنتون .1998 مهما كـانـت دوافـــع الـرئـيـس تـرمـب لتغيير قــواعــد اللعبة الديموقراط­ية، فـإن املمارسة الديموقراط­ية في الواليات املـتـحـدة مــن الــعــراق­ــة والـتـقـدم­ـيـة، مــا يــحــول دون التخلي عن قيمة التداول السلمي للسلطة.. واستحضار «عفريت» العنف ليحكم من جديد حركة الـصـراع على السلطة، في واحدة من أعرق ديموقراطيا­ت العالم املعاصرة، وأكثرها استقرارًا.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia