وزارة التعليم.. هل ما زال املعلم أوًال ؟
كان الفتا انعقاد منتدى املعلمني الدولي قـبـل بـــدء الـــدراســـة مــبــاشــرة أو بالتزامن مع نهاية اإلجــازة. خاصة من حيث عدد املــشــاركــني الــســعــوديــني وغــيــر الــســعــوديــني ونوعية املـشـاركـات. فهل هـذا مؤشر على أن تعليمنا ال يزال يقصر العملية التعليمية على املعلم؟ أم أنها انطالقة جديدة لتحويل املعلم إلى مدرب؟ منذ سنوات أطلقت وزارة التعليم شعار «املعلم أوال»، حينها كنت قد اختلفت مع هذا الشعار وعبرت عن هذا االختالف في إحـدى املقاالت. ألنني لم أجد هذا التوجه يعكس بالفعل الهدف الحقيقي من العملية التعليمية وما يجب أن تكون عليه هذه العملية. ففي تصوري أن الطالب هو من يجب أن يكون أوال وليس املـعـلـم. فاملعلم الـجـيـد أو املـفـيـد هــو وسـيـلـة تحقيق ونجاح الطالب الجيد أو الطالب املفيد. فهل يستقيم التركيز على التعليم من خالل املعلم الجيد مع إغفال بقية أركــــان العملية التعليمية؟ صحيح أن املعلم الجيد مهم، لكن ماذا يستطيع أن يقدم املعلم الجيد إذا كانت املدرسة سيئة، وماذا يفعل املعلم الجيد إذا كانت املقررات جامدة غير متفاعلة مع الواقع؟ فهل الهدف النهائي من العملية التعليمية هو الخروج بمعلم جيد بصرف النظر عن الطالب؟ إن تــركــيــز الـــــــــوزارة عــلــى املــعــلــم يــبــقــي عــلــى املعلم محورًا للعملية التعليمية، وهـذا يعني أننا ال نزال نــدور فـي إطــار العملية التعليمية التقليدية، وهو التعليم الصفي املحصور في املعلم يتحدث والطالب يستمعون، وهــذا يتنافى مع املـدرسـة الحديثة التي أصبحت تمزج ما بني التعليم والتدريب والتطبيق امليداني، ناهيك عن الدعوات الكثيرة التي تطالب بأن يصبح املعلم «محرك بحث» في تخصصه. اقــتــرحــت فـــي مــقــالــتــي لــأســبــوع املـــاضـــي أن يكون األسـبـوع األول من الـدراسـة مكرسًا لتشجير املدرسة بهدف الخروج من النمطية التعليمية املنحصرة في الـصـف. إن الـفـائـدة الـتـي يجنيها الـطـالـب عـن ثقافة الزراعة من امليدان تفوق بمراحل عشرات املحاضرات من دروس العلوم في الصف. عــلــمــًا بــــأن املـــدرســـة تـسـتـطـيـع أن تــحــول الــكــثــيــر من املحاضرات في شتى املقررات والتي يتلقاها الطالب فــي الـصـف إلــى املــيــدان وحـيـث الــواقــع أكـثـر جاذبية لتلقي الفائدة. السؤال الـذي يجب أن تجيب عنه وزارة التعليم: هل نظام الوزارة يسمح بالتمايز بني املعلمني في ابتكار أساليب تعليمية من امليدان بعيدا عن الصف والتلقني وامللل والرتابة والتقليدية؟ هـل يستطيع املعلمون فـي مــدارس املنطقة الشرقية أن ينقلوا طالبهم ومحاضراتهم من حني آلخـر إلى حقول البترول وفـي شركات البترول والتعرف على أهــم مــادة طبيعية للعالم؟ وهــل يستطيع املعلمون في مـدارس الرياض نقل طالبهم ومحاضراتهم إلى مصانع املواد الغذائية أو مصانع الحديد واألسمنت أو داخــــــل الـــشـــركـــات املــتــخــصــصــة؟ وهـــــل يستطيع املعلمون في الجوف نقل طالبهم ومحاضراتهم إلى مــزارع الزيتون في الـهـواء الطلق أو إلـى أقــدم القالع األثرية في حصن مـارد وقلعة زعبل أو على بحيرة الجوف؟ وهـل يستطيع املعلمون في املدينة املنورة أو مكة املكرمة نقل طالبهم وإعطاء محاضراتهم في املواقع التاريخية واألماكن املقدسة؟ هل يكافأ املعلمون الذين يبتكرون أساليب تعليمية ميدانية أو تطبيقية خارج الصف وخارج املدرسة أم يعاقبون؟ ما قيمة املحاضرات التي تلقى على الطالب والطالبات عن نظام املرور، في الوقت الذي ليس لهؤالء الطالب والطالبات أي دور أو رأي بتنظيم الحركة املرورية حول مدارسهم وأمام بوابات مدارسهم؟ هل يستوي الــكــالم بــني 4 جـــــدران والــســلــوك الـفـعـلـي التطبيقي امليداني؟ هـــل يــعــقــل أنـــنـــا لـــم نــســمــع أو نـــعـــرف بــقــصــة نجاح واحــــدة ملـعـلـم أو معلمة مــن بــني أكــثــر مــن 500 ألف معلم ومعلمة؟ ملاذا لم تبرز أسماء املعلمني املبدعني واملبتكرين مـن بـني هــذه األعـــداد لــوال إن املشكلة في نظام التعليم وفي اإلستراتيجية التعليمية وليست املشكلة في املعلمني واملعلمات.. نــعــم لــصــقــل مـــواهـــب املــعــلــم ونـــعـــم لـــتـــدريـــب املعلم واحتكاكه بخبرات دولية من خالل املنتديات والورش والحلقات الدراسية، لكن املعلم بحاجة أكثر ملساحة مـــن حــريــة الــتــفــكــيــر وابــتــكــار األســالــيــب التعليمية والتجارب امليدانية واملـرونـة في األنظمة لكي يبدع وينطلق ويتميز. وأتمنى للجميع عاما دراسيا سعيدا.