من يصنع التأثير في املنظمات الدولية؟
قبل أسبوع، أعلن أمني عام االتحاد الدولي لالتصاالت، الوكالة التابعة لأمم املتحدة، مــن مـقـر هيئة االتــصــاالت بــالــريــاض، عن تـسـمـيـة أكــبــر قــاعــة أمـمـيـة فــي املـنـظـمـة الــدولــيــة باسم الـسـعـوديـة، بـاإلضـافـة إلــى إعـالنـه عـن توقيع عــدد من االتــفــاقــيــات مـــع جــهــات مــهــمــة بــاملــمــلــكــة فـــي مجاالت الــتــحــول نـحـو املـــدن الــذكــيــة، واالبــتــكــار، وبــحــث أدوار مـنـظـمـي قــطــاع االتـــصـــاالت وتــقــنــيــة املــعــلــومــات حول العالم مع الرياض. يـحـمـل هـــذا الــحــدث دالالت مـهـمـة عـلـى صـعـيـد نشاط تمثيل اململكة في املنظمات الدولية، ففي الوقت الذي شـهـدت فـيـه أروقـــة االتــحــاد الــدولــي لــالتــصــاالت داخل األمم املتحدة تنافسًا محمومًا بني عدد من الدول للظفر بفرصة تسمية هذه القاعة األممية باسمها، كان الفريق السعودي، املؤلف من عدد من الشباب الذين يتمتعون بـدرجـة عالية مـن الـكـفـاءة والــتــدريــب، مـؤهـال لخوض هذه املفاوضات بجدارة، وحسمها لصالح السعودية. هــذا الـحـدث يـقـود للسؤال حــول جاهزية ممثلينا في املـنـظـمـات الــدولــيــة لتمثيل املـمـلـكـة فــي تحقيق الثقل الــذي يتناسب مـع صــورة السعودية الـجـديـدة، املليئة بــالــتــطــلــعــات والـــطـــمـــوح. فــبــالــنــظــر إلــــى آلـــيـــات العمل لـتـحـقـيـق الـــــدول لـثـقـلـهـا داخــــل هـــذه املــنــظــمــات، يمكن تلخيصها فـي 3 مــهــارات إستراتيجية مهمة يتحقق عبرها هــذا الثقل، وهــي الـقـدرة على صناعة اإلجماع ،consensus وبناء التحالفات ،lobbying والـقـدرة على تشكيل التأييد advocacy لبناء املواقف واآلراء. ولتحقيق األهداف اإلستراتيجية للمملكة عبر نشاطات ممثليها في املنظمات الدولية، يبرز التركيز على بناء الـثـقـافـة الـعـمـيـقـة بـتـقـنـيـات الـعـمـل فــي هـــذه املنظمات عبر هـذه املــهــارات، مدعومة بعدد من املـعـارف املهمة؛ السياسة والتاريخ واالقتصاد واالجتماع. وبالعودة إلى تسمية أكبر قاعة أممية باسم السعودية، يــحــضــر اإللـــحـــاح عــلــى تـفـعـيـل مــفــهــوم الدبلوماسية الشعبية public diplomacy بــالــتــوازي مــع نــشــاط كل مظاهر التمثيل الخارجي للمملكة كنشاط مهم، وهو نشاط لم يحظ باهتمام كبير خالل املرحلة املاضية في أجندة التمثيل الخارجي السعودي، إذ إن هذه القاعة التي ستحمل اسم اململكة، تعد املرة األولى منذ تأسيس األمـــم املـتـحـدة عــام ،1945 وســـوف تحتضن أكــثــر من 500 شخص، وستكون مثاال حقيقيًا لتكريس العالمة التجارية السم «السعودية»، سواء عبر تسميتها أو عبر ظـهـورهـا على كـل نشر يتعلق بــأي مـوضـوعـات تعقد داخل هذه القاعة. مهم أن يكون هناك تنسيق بـني كـل القطاعات املمثلة للسعودية خارجيًا في توحيد رسائلها عبر تصميم النشاطات االتصالية التي تؤدي في نتيجتها النهائية إلى تكريس الرسالة االتصالية نفسها، ألن ذلك يحصن عــن الـتـشـظـي فــي الــرســالــة ويـحـمـي مــن الـتـشـويـش في الــهــدف والــهــدر فــي املــــال، فــأهــم مــعــادلــة بسيطة يقوم عليها نجاح االتصال هو الديمومة واالتساق -consi .tency ومما يعظم من أهمية سرعة التركيز على بناء الكوادر املــمــثــلــة لــلــســعــوديــة فـــي املــنــظــمــات الـــدولـــيـــة، وتفعيل أنـشـطـة الـدبـلـومـاسـيـة الشعبية، هــو التقييم الخاطئ واملبالغ فيه لدور الصحافة في بناء الصورة الذهنية للسعودية، والتي استهلكت الكثير من الجهد والوقت فــي مــا مــضــى. وهـــذا لـيـس إنــكــارًا لـــدور الـصـحـافـة في معادلة صناعة التأثير، لكن ينبغي عـدم املبالغة في تعظيم دورها السيما في أوروبا والواليات املتحدة، إذ يجب النظر إليها كنشاط ضمن نشاطات متعددة في صناعة التأثير، ألنها -أي الصحافة- في الحقيقة ليست سوى محطة نهائية لظهور التأثير الذي صنع خارج دائرتها، وهذا التأثير ربما صنع عبر نشاط املمثليات الخارجية، ومعها أنشطة الدبلوماسية الشعبية. ولتحقيق النجاح في تعزيز تواجد اململكة عبر صناعة صــورة ذهنية فاعلة خـارجـيـا، يظل دور التمثيل في املـنـظـمـات الــدولــيــة عـامـال حـاسـمـا عـلـى هــذا الصعيد، يـدعـمـه تفعيل نـشـاطـات الـدبـلـومـاسـيـة الشعبية، كما فعلت كوريا الجنوبية وضاعفت موازنتها لهذا الهدف، وكذلك تفعيل الدبلوماسية الرقمية بلغات متعددة كما تعكف عليه الواليات املتحدة مؤخرًا.