جاذبية التخفي
االقــتــبــاســات واملــقــوالت األخــاقــيــة املــنــشــورة عـلـى وسائل الـتـواصـل االجـتـمـاعـي تحصل على الكثير مــن الجاذبية وإعــــادة الــتــدويــر والـتـفـضـيـل. بــل وثــمــة حـسـابـات أنشئت خصيصا لنشر هـذه املقوالت والحكم واالقتباسات التي تشجع على الفروسية وتدعو لألخاق الحميدة، ويتابعها املايني من األشخاص. لـكـن واقـــع هــذه الــوســائــل واقـــع مـــزر، مــن حـيـث االنحطاط األخــاقــي والــلــغــة الـنـابـيـة املــبــتــذلــة، الــتــي تـعـكـس صورة مريضة ومخجلة عن املجتمعات. والغريب أن كثيرا من التربويني وأعام املجتمع ومشاهير هذه الوسائل ال يصرحون برفضهم لتلك اللغة أو التعامل غير األخاقي بني املغردين، ربما بسبب خوفهم من خسارة املتابعني أو خشية تعرضهم للتنمر. نـحـن عـرضـة لـلـخـداع الــذاتــي فــي كــل مــرة تـتـعـارض فيها تــصــرفــاتــنــا مـــع املــــبــــادئ املــســتــقــرة فـــي نــفــوســنــا والقيم األخاقية التي نعجب بها، ومـن ثم تبدأ عملية الترشيد ونجد سببًا لفشلنا في أن نكون مستقيمني أو مستمرين على املـبـدأ أو ملتزمني بـه، وتجدنا نختبئ وراء عبارات مثل: «أنــا لست مـاكـا»، أو نعتذر للسلوك الخاطئ بـ«أنا مجرد إنسان ضعيف». وعــلــى جــانــب آخــر تـسـاهـم األســمــاء املـسـتـعـارة والهويات املـتـخـفـيـة فـــي ظــهــور جــانــب مـــن الــوحــشــيــة الــتــي لـــم نكن لـنـخـتـبـرهـا فـــي شـخـصـيـاتـنـا لـــو كـتـبـنـا أفــكــارنــا باالسم الــصــريــح، ولــعــل هـــذا مــن غــمــوض الــســلــوك الــبــشــري الذي مـا زال يـدرسـه العلماء، فــالــدراســات تـؤكـد أن الـجـنـود في الــحــروب تـزيـد وحشيتهم فــي الـتـعـامـل مــع أســـرى وقتلى الجيش اآلخر حني يطلون وجوههم بالسواد، أما األطفال فـي الـحـفـات التنكرية، حيث تختفي هوياتهم يقومون بــســرقــة بــعــض الــحــلــوى واأللــــعــــاب أكــثــر مــمــا يــحــدث في الحفات األخرى التي يحضرونها بهوياتهم املعلنة. اإلنسان في الخفاء عن أعني املراقبني تظهر شروره خاصة لو أمن العقوبة، لذا أحيي كل من لجأ للقضاء ألخذ حقه مـن اســم مستعار وجــد ملجأ لنفسه الخبيثة فـي وسائل التواصل االجتماعي، وأعتبرها سنة حسنة قد تساهم في رفع مستوى األخاق عبر وسائل التواصل االجتماعي.