ملاذا اختار محمد بن سلمان الطريق األصعب؟
كان بإمكان األمير محمد بن سلمان ولي العهد الــســعــودي أن يـخـتـار الــطــريــق األســهــل واألقل كلفة فــي إدارة مـشـاريـعـه وتحقيق طموحات بــاده وشعبه، ذلـك الطموح الــذي أرهقه وجــاء على حساب صحته في وقت عصيب تمر به املنطقة منذ عشر سنوات. كـان بإمكانه أن يضع يـده في يد التنظيم العاملي لإلخوان املـسـلـمـن ويـفـتـح بـــاده للمتطرفن واملــؤدلــجــن، وتصبح الــســعــوديــة مــــاذا آمــنــا لـكــل شــــذاذ اآلفــــاق مــن عـــرب الشمال ومطاريد األمصار من مطلقات العروبين والبعثين وبقايا اليسار واالشتراكية النافقة كما املوجود في الدوحة اليوم، وبا شك سيتحولون إلى جيوش من املرتزقة بكل إمكاناتهم اإلعامية والتنظيمية يسبحون بحمده ليل نهار ويحولونه إلى الزعيم األوحد والقائد امللهم. مــن الـسـهـل تـحـويـل «الـعـربـيـة» مــن قـنـاة للتنوير ومحاربة الظام إلى محطة رديفة للجزيرة تسوق الجوالني وتروج فـكـر الــبــغــدادي وداعـــش والــنــصــرة وأســامــة بــن الدن وتدفع الــجــمــاهــيــر لـــلـــعـــداوة مـــع أنــظــمــتــهــا واالنــــخــــراط فـــي املوت واالحتجاجات بدال من البحث عن العمل والتنمية وتحسن الحياة. إنــه طريق مجرب فعله حمد بـن خليفة وتميم ونصر الله وخامنئي والحوثي وصدام والقذافي وبشار وغيرهم كثير، مـا عليك إال أن تتملق تنظيمات الشر وتـتـنـازل عـن سيادة بـــــادك، وتــســمــح ملـنـظـمـات الـــشـــواذ وصــنــاع الــكــبــائــر بنشر قيمهم في مجتمعك لتنال رضاهم، ستدير ميركل وهياري وأوبــامــا وجـــون كـيـري حـمـات الـعـاقـات الـعـامـة نـيـابـة عن الليبرالية املتطرفة احـتـفـاء بــك، وستكتب عنك الواشنطن بــوســت وتــمــجــدك نــيــويــورك تــايــمــز وســتــفــرد الــديــلــي ميل صفحاتها عنك، وستخرج ممثلة االتحاد األوروبــي معبرة عن إعجابها بشخصيتك وقيادتك.. كــان بـإمـكـان األمــيــر أن يتحالف مــع املــؤسـسـات «الحركية» املحلية والعابرة لتختطف الشارع وتحركه بتغريدة خفيفة، وأن يضع يــده بيد مؤسسات املــال التي كانت تشكل حلقة صلبة ال يمكن اختراقها، تدير املـال والجاه واملناصب بن يديها وبقية الشعب ليسوا سوى مجموعات بشرية تعيش على فتاتها. دائما ما كـان هناك طريقان أحدهما سهل يختار ما اعتاد عليه الرعاع، وما يريدك الكاره أن تبقى محصورا فيه، لكنك ســـتـــراوح مــكــانــك وسـتـبـقـى مــجــرد دولــــة عــلــى هــامــش األمم والتاريخ. تأكل وتشرب وتنام ثم تموت، واآلخر طريق طموح وعر لكن نتائجه في نهاية املطاف مثمرة للباد والعباد. هـنـاك قــادة وزعــمــاء اخــتــاروا أن يمضوا هـكـذا بـا بصمات تسجلها األجـيـال ويتذكرها الـتـاريـخ، وهـنـاك مثل «محمد بن سلمان» وهـم قلة اخـتـاروا أن يكونوا صناع نهضة في بادهم وأن يفجروا الطاقات في إقليمهم وأن يجعلوا من «رياضهم» منارة يقتدى بها. قادة النهضة في أي زمان عادة ما يصطدمون بأعداء كثر من الداخل والخارج همهم الوحيد إفشال التجربة وتشويهها ووأدهــا في بدايتها ألنها إذا خرجت من رحـم التكوين فا يمكن إرجاعها أو السيطرة عليها. كـان بإمكان محمد بن سلمان أن يبقي وطنه مجرد «بياع نفط» نأكل ما تنتجه آبار البترول وتبيعه أرامكو للعالم في آخر اليوم، عندها لن يكون في حاجة البتكار مشاريع خاقة مثل نيوم والقدية وجــزر البحر األحمر وتوطن الصناعة العسكرية واالنخراط في مشروع الحرير وإنشاء سكة حديد تنقل الصناعات والطاقة بن شـرق الباد وغربها وإنشاء مشاريع إستراتيجية مع اإلمارات واألردن والبحرين ومصر تهدف للنهوض الصناعي واللوجستي في املنطقة والتأثير اإليجابي على شعوبها. كان بإمكانه أن يؤجل مشروع قيادة املرأة السعودية للسيارة أربعة عقود أخرى، وأن ال يسمح للسينما وال املوسيقى وال الـتـرفـيـه الــبــريء بــدخــول الــبــاد، لـقـد كــان مــن الـسـهـل تبرير ذلك. لـكـنـه مـحـمـد بــن سـلـمـان الــــذي لــم يـقـبـل عـلـى نـفـسـه وباده تـغـريـدة تـأخـذ صيغة األمـــر مــن وزيـــرة خـارجـيـة كــنــدا، ولن يسمح لألملان بالتعدي على السيادة السعودية، ولم يسمح لـحـمـد بــن خـلـيـفـة وفـيـصـل بــن جــاســم وحــمــد بــن جــاســم أن يسرحوا ويستبيحوا باده طوال وعرضا. «األصيل» محمد بن سلمان اختار الطريق الصعب واألكثر كــلــفــة عــلــى نــفــســه وحـــيـــاتـــه تــحــت قـــيـــادة املـــلـــك ســلــمــان بن عبدالعزيز، اختار شعبه وقال لهم إن طموحه عنان السماء، وإنـــه سـيـدافـع عنهم وعــن مستقبلهم حـتـى لــو قــدم حياته نيابة عنهم، ولذلك لم يكن القلق الــذي انتاب الناس خال األسبوعن املاضين إال خوفا من أن الحلم الذي عاشوه على يدي «سلمان وابن سلمان» طوال السنوات األربع املاضية قد يتاشى ال سمح الله.