هل فشل اإلعالم العربي؟
برهنت متابعة اإلعــام العربي ملقتل األستاذ جمال خاشقجي حاجة إلعادة صياغة سياساته املوجهة وأدائه في نقل األحداث وتحليلها، فقد شغل األمر مساحات واسعة من التغطية واملتابعة والتحليل حــول الـعـالـم الـــذي سيظل مــشــدودا لـفـتـرة طـويـلـة فــي خضم تحليات وتأويات واتهامات وأحكام، حول قضية مازالت كل املعلومات التي ترشح عنها تزيد من غموضها وزيادة األسئلة. هناك واقعة واحـدة ثابتة لم تعد تحتمل الجدل وهي مقتل األستاذ جمال خاشقجي رحمه الله، ولست هنا في معرض الحديث عن اآلثــار السياسية فذلك أمر تحدده املصالح بني الدول، ولن أتناول الجانب الجنائي فهو شأن قضائي معقد ال أعــرف تفاصيله، لكني سأتحدث عن انطباعاتي كمتابع للحادثة مسالم بحكم معرفة بجمال عن قـرب وتواصل عن بعد لم ينقطع. الشك أن تناول القضية أخذ أبعادا داخلية وإقليمية ودولية، وجعلها تدخل في إطـار األزمــات الدولية ألغــراض مختلفة، وكــانــت الــقــيــادة الــســعــوديــة مــبــادرة بــاإلعــان عــن الحقائق املتوافرة لديها حتى اآلن، لم تتردد عن بدء تحقيق قضائي تــواله الـنـائـب الــعــام الــســعــودي، وهــذه إجــــراءات البــد لها أن تسهم فـي تباين الحقائق، ولــم تـتـردد السلطات السعودية فــي الـتـصـريـح بــأن الـجـهـات القضائية املختصة ستتعاون لجاء الحقائق ولن تتوانى عن معاقبة املسؤولني عن مقتل خاشقجي. برهن اإلعام العربي عدم القدرة منذ البداية على التعامل مع األمر بصورة عقانية، فانطلق متخبطا بني محاولة إلصاق االتــهــامــات مـبـكـرا عـلـى أشــخــاص بعينهم دون دلــيــل يمكن الـركـون إليه قانونيا، وآخــر اتخذ موقف الـدفـاع وحــاول أن تكون ردوده مقنعة للجمهور املتابع، وبطبيعة الحال تحول الراغبون بتناول متوازن إلى املحطات الغربية والتي لم تكن – إال القلة منها – محايدة تماما لكنها كانت تنقل نصف الوقائع كما تصلها. لقد فرضت القيود الرسمية على اإلعــام أن تضيق مساحة حــريــة الــقــائــمــني عــلــى أمــــر املـــؤســـســـات اإلعـــامـــيـــة املكتوبة واملرئية وقدرتهم علـى التحرك بعيدا عن النصوص الجامدة واملـــفـــردات الـعـتـيـقـة، وأصــبــح الـجـمـيـع مــحــتــارا فــي تحديد مسارات تناول األحـداث وكيفية شرحها للقارئ، وهنا ظهر الخطر الذي يربك املشهد ويفقد هذه املؤسسات مصداقيتها، رغم أن بها مخزونا ضخما من الكتاب واملحللني وأصحاب الخبرة الطويلة في املجال اإلعامي. قد يكون من املفيد في خضم هذا الكم املتناقض من املعلومات والبيانات التي تتناول كافة قضايانا اليومية واملصيرية أن يعاد التفكير في أداء اإلعام العربي بشكل عام، وأن يتم بحث قضية إطـاق الحريات الصحفية بقيود أخاقية وضوابط قــانــونــيــة، واألهــــم مــن ذلـــك هــي الـقـنـاعـة بـــأن األوطــــان يمكن تعزيز كياناتها بـاالخـتـاف أيـضـا ولـيـس فقط عبر املسار الواحد واالتجاه الواحد، وحينها سيجد القارئ ما ال يجبره على التوجه إلى منابع معلومات وتحليات خارج حدوده. انكشفت الكثير مــن وســائــل اإلعـــام فــي خـضـم هــذه األزمة، وصار من الصعب على العربي االعتماد كثيرا على مصادر محلية ستبني لـه بــالــرأي والتحليل مـا يكسبه الثقة فيها، وهـذا أمر بالغ الخطورة تستغله القنوات التي تعيش على اإلثـــــارة ونــصــف الــحــقــائــق وال تــضــع فــي حـسـابـاتـهـا اآلثار املدمرة سياسيا واجتماعيا وتقوم بتغذية األحقاد والفرقة بني شعوب املنطقة. * كاتب يمني وسفير سابق