Okaz

أفول فكر التطرف اإلخواني.. هل من بديل?

-

قـد تعمد بعض مؤسسات الـــدواء إلـى إنـتـاج أنــواع معينة مـن الفيروسات التي تـسـبـب أمــراضــا لـلـنـاس أو لـلـحـيـوا­نـات أو لـلـنـبـات­ـات واألشـــجـ­ــار، بـغـيـة تسويق أدويــة مضادة لها، تـدر عليها املاليني من الـــدوالر­ات، إضافة إلـى تحريك سوق املستشفيات واملراكز الطبية واألطباء واملمرضني، األمر الذي بدوره يمتص جزء ا من البطالة ويرفع معدالت معيشة العاملني في امليدان الطبي، وإن كان بصورة عرضية. وهذا كله يأتي على حساب الناس البسطاء الذين دائما وأبدا يدفعون الضريبة أيا كان مصدرها. فبعض مؤسسات األبحاث، أقولها وبكل صراحة، تستخدم الناس البسطاء كحقل لتجاربهم غير مبالية بـأوجـاعـه­ـم، وكـأنـهـم فــي نظرها عــبــارة عــن أرقـــام قابلة للزيادة والنقصان. أمـا مسألة حقوق اإلنـسـان، فإنها تبقى خــارج أســوار دوائر املال، وقد يسمح لها بالدخول بعد أن يتخذ القرار. ووفــق الفكر الغربي الـرأسـمـا­لـي، فــإن التحديات تخلق الفكر واإلبــــد­اع، وإن أي مجتمع ال يـواجـه مشكالت وصـعـوبـات قـد ينتهي إلــى الخمول والكسل أو إلى نهاية الـتـاريـخ، كما يقول املفكر األمريكي فوكوياما، فــإذا لـم يكن أمـامـك تحد، عــنــدئــ­ذ عـلـيـك خــلــقــه، كــي تــتــطــو­ر وتــتــقــ­دم إلـــى األمـــــا­م. الــفــكــ­رة هـــذه بــحــد ذاتها صحيحة، لكن يمكن تطبيقها بأساليب مختلفة وبشكل ال يسبب ضررا للناس، إال أن عملية حصول الشركات على األمـوال تقوم على أساس خراب املجتمعات. هــذه النقطة أثــارت اهتمام كــارل مـاركـس فـي معرض وقـوفـه بوجه الرأسمالية العاملية، حيث دعا إلى فكرة إلغاء األموال وكنزها، لكي يتخلص املجتمع من آثار وتداعيات جمع رؤوس األموال على حساب سعادة الشعوب. أما مفكرو ومنظرو االقتصاد الرأسمالي من آدم سميث وإخوانه، فإنهم إنما يراهنون على الشعوب ومــدى تطورها الفكري عندما وضـعـوا نظرية االقتصاد الـحـر، لـذا قـد ال يكون للفقراء وبسطاء القوم نصيب في السعادة الرأسمالية املوعودة، ولذا فإن واضعي النظرية الرأسمالية ال أراهم يبتعدون عن الفيلسوف نيتشه، ملهم النازية، عندما لم يضع في قاموسه الناس الضعفاء واملساكني الذين يعدهم عبئا على التطور وعائقا أمام ازدهار املجتمع، مما ينبغي اجتثاثهم ووأدهم بحسب وجهة نظره. وإذا عـدنـا إلــى مــوضــوع الــفــيــ­روس وقـضـيـة صـنـاعـتـه، فـقـد أثـبـتـت الــتــجــ­ارب أن الفيروس الفكري الذي يصيب شخصا ما، يعد أكثر خطورة من مثيله املجهري. فاألخير يصيب البدن، وقـد يتم عالجه بواسطة دواء موصوف ومجرب، إال أن اللوثة الفكرية من األمور التي تعيي أطباء ها في العالج، ألم يقل املتنبي: لكل داء دواء يستطب به إال الحماقة أعيت من يداويها. وإذا انتقلنا من أبحاث علم الفيروسات املجهرية ومؤسساتها املختبرية إلى علم فيروسات الفكر ودوائره املخابراتي­ة، نرى دور األخيرة الذي ال يقل شأنا وحيوية وخطورة عن مشكالت إنتاج فيروسات األمراض والبحث عن عالجها، مع الخالف الكبير بينهما من حيث اتساع نقطة تأثير أمراض الفكر من حيث امتدادها إلى غير املصابني بها، عبر تأثير حامل اللوثة الفكرية على حياة غيره وإسهامه في تدني ثقافة املجتمع الذي يعيش فيه. وقــد كــانــت بــدايــة الــقــرن الـعـشـريـ­ن تمثل الـفـتـرة الـزمـنـيـ­ة الـخـصـبـة لـبـث األفكار السريعة االنـتـشـا­ر واملتناقضة بنفس الــوقــت بــني صـفـوف الـشـبـاب، مــن قومية وإسالمية متطرفة، في مجتمعات خرجت حديثا من سطوة الـدولـة العثمانية وانغالقها الثقافي. وخلطة الديالكتيك هذه التي تحدث عنها هيجل، فعلت فعلتها في فكر الشباب العربي املتحمس. فعملية خلق الشيء ونقيضه أنتجت جماعة اإلخوان املسلمني واألحـــزا­ب والـتـيـار­ات القومية العربية من حـزب بعث وبعض األحــزاب القومية االشتراكية. فهم وإن وقفوا في وجه بعضهم البعض، إال أن جميعهم يصبون في بوتقة دوائر املخابرات العاملية، فتمت عملية حبس الفكر العربي من خالل تلك األفكار التي انتشرت بني عقول شبابه كانتشار النار في الهشيم، باستثناء الدول الخليجية التي تحصنت منها بسبب غلبة األفكار اإلسالمية السلفية والعادات والقيم العشائرية. وإذا كان املد القومي قد انتهى بانتهاء الدولة القومية ورحيل الشيوعية املوجه ضدها، إضافة إلى انكشاف زيفه، فإن الفكر اإلخواني تطور بعد انحسار الفكرة القومية، حتى وصـل السلطة في أكثر من دولــة، بل وأنتج أفـكـارا أكثر تنظيما وتـشـددا وراديكالية، تمثلت في تنظيمي القاعدة وداعــش، وولــد تأثيرا سلبيا خــالل مــدة ال تـزيـد على الـــ 15 عـامـا فــي السلطة يـفـوق بـأضـعـاف التأثير الذي تركه القوميون على مدى أكثر من 60 عاما من حكمهم. ويمكن القول إن وصول اإلخـوان إلى السلطة كان بدفع جماهيري وليس عبر االنقالبات. وهو موضوع شديد الـخـطـورة، حيث يعكس مـدى تغلغل فكرهم فـي عامة الـنـاس، الـذيـن كما أسلفنا يمثلون حقل تجارب ملؤسسات إنتاج األمراض. إال أن صعودهم السريع هـذا وسقوطهم األســرع، على األقـل في مصر، ولـد آثارا سيحصد الغرب غالتها لسنني قـادمـة. فــإذا ضيع القوميون فلسطني والوحدة العربية بشعاراتهم الـزائـفـة والــفــار­غــة، فــإن اإلخـــوان طمسوا الـهـويـة اإلسالمية وجعلوها مرادفا لإلرهاب في الفكر الغربي. ناهيك عن غياب املنجز ومساهمتهم الفاعلة في إرجاع الدول التي يطؤها عشرات السنني إلى الوراء، رغم قصر فترة حـكـمـهـم، ســـواء فــي الــعــراق بـعـد الــعــام 2003 أو مـصـر أو حـتـى فــي قــطــاع غزة. وأنـا أتذكر حديثا لـ مستشارة األمـن القومي األمريكي حينها كونداليزا رايس فــي إجابتها عــن ســؤال ألحــد الصحافيني املنتقدين للديموقراط­ية األمريكية فـي الـشـرق األوســط ومــا أنتجته مـن صعود أحــزاب إسالمية فـي الـعـراق ومصر وفلسطني حيث قالت رايس، «إن هذه الشعوب اختارت، وقد تكون أخطأت، وغدا سوف تصحح خطأها». وإذا كانت عملية التصحيح سريعة في مصر، فإنها بدأت في العراق وستنتهي في فلسطني. وبنهاية أحزاب اإلخوان املسلمني والتي اشتقت منها أحزاب السلطة في العراق، فإن التنظيمات اإلرهابية املتشددة من قاعدة وداعـش سوف تنتهي معها، كونها تمثل املعني الفكري واأليديولو­جي الـذي يمد اإلرهــاب. وقد بدأت مـرحـلـة الــوعــي تـتـكـون فــي عـقـول مــؤيــدي فـكـر اإلخــــوا­ن، إمــا بسبب اإلحــبــا­ط أو نتيجة تطور الفكر ومعرفة حقيقة هذا التنظيم، خصوصا بعد ممارسة اإلخوان للسلطة. وحــتــى يـنـتـهـي تــمــامــ­ا الــفــكــ­ر اإلخـــوان­ـــي، تـبـقـى مــكــائــ­ن الــغــرب تـحـصـد الغالل، وطـواحـيـن­ـهـا تطحن الـحـبـوب الـتـي نضجت بفعل نـتـاج اإلخــــوا­ن املسلمني في أرضنا. فالغرب لهم الحاصل ولنا خـراب األرض، إلى أن يتم حرثها مرة أخرى تمهيدا لنثر بـذور فكر جديد. فما زالـت تلك البذور تحت املجهر في مختبرات أوروبا والواليات املتحدة، تدرس وتختبر نتائجها تمهيدا لشحنها على ظهور الالجئني حني تتم إعادتهم إلى أوطانهم.

• ينشر هذا املقال بالتزامن مع «سبوتنيك عربي»

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia