Okaz

جتديد الفتوى لتجفيف املنبع !

- نجيب عصام يماني * nyamanie@hotmail.com * كاتب سعودي

فـي خطوة مباركة لتجفيف منابع اإلرهاب ومصادره أكد ممثلو )73( دولة في املؤتمر العاملي الرابع لإلفتاء بمدينة القاهرة الشهر الـــفـــا­رط، (أن الــتــجــ­ديــد فــي الــفــتــ­وى أمـــر حـتـمـي ال مناص منه) للقضاء على جماعات الظالم اإلرهابية وأن مراعاة الـــزمـــ­ان واألحــــك­ــــام أمــــر حــتــمــي لــلــفــت­ــوى. ولــكــن ال بـــد من ضــرورة التفريق بـني الثابت واملتغير، فالثابت يعني أن هناك أحكاما وردت بها نصوص القرآن والسنة على نحو قطعي الثبوت وقطعي الداللة ويلتزم بها الشرع فال يجوز إهـمـالـهـ­ا، وقــر فـي وجـــدان املسلم أن تلك األحــكــا­م كلية أو تفصيلية قد سبق علم الله فيها، وفي ثباتها وصالحيتها وضرورة توحدها في مختلف األزمنة واألماكن والظروف، فال مجال فيها لتجديد أو تطوير، ففيها مصلحة تحمل في طياتها الخير والرحمة والعدل، صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان، ألنها صيغت أحكامها بحيث ال تتعارض مع الطبيعة األصلية لإلنسان، واملطالب امللحة للمجتمع. النوع الثاني من األحكام فهي التي استنبطها أهل االجتهاد مــن خــالل االجــتــه­ــاد واالســـتـ­ــدالل مــن األدلـــة الـكـلـيـة، وهذه األحـكـام تخضع للتغير بتغير الـزمـان واملـكـان والظروف ملواجهة املشكالت الواقعية فهي قواعد مرنة قابلة للتغير بحسب اقتضاء املصلحة تتبدل معها وتتغير، فالشريعة اإلسالمية اتصفت بالشمول والخلود ولكن ال يعني أنها نصت على كل األحكام وعلى كل واقعة بعينها. فهي جاء ت باملبادئ العامة والقواعد األساسية لتندرج تحتها كافة القضايا واملسائل التي تستجد لتغير األزمان، لقد فتحت الفتوحات اإلسالمية ودخلت في اإلسـالم شعوب متباينة مختلفة فـي طــرق معيشتهم وعـاداتـهـ­م وتقاليدهم فكان هــذا الـحـال أشبه بالتحدي لقوة هــذا الـديـن فـي حكم هذه األمم على اختالف مشاربهم وتباين أحوالهم ومعامالتهم ومصالحهم ولم تدخل على فقهاء املادة في حينها كل هذه املستجدات واالختراعا­ت مما يشاهده املسلمون هذه األيام، ولكنهم قد واجهوا ما هو أكبر وأعقد من هذه املستجدات إذا احتسب عامل الزمن وظروف البيئة واملعيشة وجابهوا كــل جـديـد بما ركــنــوا إلـيـه مــن أصـــول هــذا الــديــن الحنيف وقواعده األصولية والفقهية ولم ينقل عنهم التسارع إلى التحريم ألدنــى سائحة وال كيل الـحـرام إلـى الناس جزافًا ألقــصــى شـــــاردة مـــن أوهــــن دلــيــل بـــل كــــان املــشــهـ­ـور عنهم الــحــرص الــشــديـ­ـد والــتــحـ­ـرج املــفــرط فــي إصــــدار التحريم. فاإلسالم لم يدع مجاال لصاحب هوى أو مبتدع أو جاهل ليقول في الدين بغير علم أو يدخل فيه ما ليس منه، كما اعتادت جماعات اإلسالم السياسي وما خرج من عباءتها من الجماعات اإلرهابية التي حولت الدين أداة تستخدم للقهر والقتل والتعذيب واالغتصاب والحرق ومنح تذاكر دخول الجنة والخلود في النار، جعلت منه تجارة تتحكم بها في رقاب العباد، وجعلت من العادات التي األصل فيها اإلباحة إلى عبادة ملزمة دون وجه حق وهذا ما عانيناه من اإلخوانجية والصحوية والداعشية والقاعدة وغيرها. مخالفني بذلك ما قامت عليه الشريعة اإلسالمية من أساس راعت فيه مصالح العباد في املعاش واملعاد وهي كما يقول ابن القيم (الشريعة عدل كلها ومصالح كلها وحكمة كلها) فكل مسألة خرجت عن العدل إلـى الجور عن الرحمة إلى ضدها وعن املصلحة إلى املفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن دخلت فيها بالتأويل وهذا ديدن الجماعات اإلرهابية واملتطرفة فالفتوى لديهم تمثل %95 من خطابهم وكلها تصب في تبرير العنف ونشر التطرف ونــهــب ثــــروات الــــدول فـالـعـامـ­ل املــشــتـ­ـرك لــهــذه الجماعات استنادها لفهم النص بواسطة منهج محدد سلفًا يشرعن لــه تـطـرفـه وإرهــابــ­ه دون مــراعــاة لقيمة الـعـقـل أو مراعاة املنطق واالستناد إلى ًالحكمة. وقد ضرب الدكتور شوقي عــالم مفتي مصر مثال بفتاوى اإلرهـابـي­ـني والـتـي حرمت التعامل مع املسيحيني، وواقــع اإلســالم الصحيح يكذبهم ويدحض فتاويهم فقد تعامل نبي األمة معهم وأمنهم في صوامعهم وأمر بعدم االعتداء عليهم ومعاملتهم معاملة خاصة راقية. البــد مــن قـطـع الـطـريـق عـلـى الـجـمـاعـ­ات املـتـطـرف­ـة وتعرية جهلها وعـدم معرفتها بأحكام اإلســالم الحقيقية وفضح أسلوبها وأنها تحرم وتحلل من أجل مصلحتها، فالبد من تنقية تراثنا من الكذب والخرافة والتدليس واالستشهاد بما ال يتوافق مع كتاب الله وأخالق نبيه العظيم الذي بعثه الله رحمة للعاملني بتجديد الفتوى والــرد على دعاويهم الكاذبة ونبطل ما اندس فيها ونبني عوارها. لقد كرم الله اإلنسان ولم يجعله ريشة في مهب الريح عرضة لألهواء والـــنـــ­زوات وتـحـكـم نــزعــات الــتــطــ­رف والــتــشـ­ـدد واإلرهــــ­ـاب، فتعاليم اإلسالم تركت فضاء الحرية واسعًا لحركة اإلنسان في سعيه نحو إعمار األرض بل وجعلها الله على صدارة املقاصد اإللهية.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia