Okaz

«ما أنا فحمة وال أنت فرقد»

- على خفيف محمد الحساني * mohammed.ahmad568@gmail.com * كاتب سعودي

عـلـى الــرغــم مــن أن قــاعــدة التفضيل والـتـكـري­ـم عـنـد الله تقوم على التقوى، ألن الله خلق الخلق من ذكر وأنثى ثم جعلهم شعوبًا وقبائل ثم حدد عز وجل مقياس التكريم بقوله: [إن أكرمكم عند الله أتقاكم]، كما أن رسوله األعظم محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم) أكد بأنه ال فرق بني عربي وال عجمي وال أبيض وال أسـود إال بالتقوى، إال أن التنابز باأللقاب وتحقير الناس في بالد املسلمني بعضهم لبعض ما زال قائمًا على قدم وساق حتى طغت عبارات العنصرية على حياة العديد من املجتمعات، بل واخترقت وسائل اإلعـالم واالتصاالت ومواقع التواصل االجـــتــ­ـمـــاعـــ­ي وأصــــبــ­ــح مــــن املـــعـــ­تـــاد أن يــســمــع اإلنسان تصنيفات قبلية أو شعوبية بقصد التحقير والتقليل واإلذالل واالزدراء، وربــمــا يــكــون دافـــع املـحـقـر واملؤذي لغيره ضعف حجته وقلة ملكته في املشاركة في حوار ما، فيدفعه كبرياؤه وغــروره وعجزه عن مقابلة الحجة بالحجة إلـى محاولة إذالل وتحقير من أمامه بعبارات عنصرية فجة يحرمها اإلسالم وتمقتها األخالق الكريمة وتستهجنها النفوس السليمة، وال يمر يوم وآخر إال تصم أذان املجتمع مثل هذه العبارات وتحصل أمامه مواقف مبنية على العنصرية، بل إن الغرور واالزدراء لآلخرين قد يدفع شخصًا متغطرسًا يرى أنه فوق الجميع للقيام بطرد آخر جلس بجواره في مناسبة عامة، وقد يستجيب املـطـرود خوفًا من سطوته وغـــروره، وقـد يدخل معه في معركة كالمية خاسرة إذا كان من حول املتغطرس نفر من أشباهه ألنهم سيؤيدون املتصرف املتغطرس لصاحبهم ويرغمونه على تغيير موقعه فيردد قول الشاعر: يـــــــــ­ا أخــــــــ­ـــي ال تــــــمــ­ــــل بــــــوجـ­ـــــهــــ­ــك عني

مـــــا أنـــــــا فــحــــــ­ــــــــمـ­ـة وال أنـــــــت فـرقـــــد وجــاء فــي األثــر الـنـبـوي أن رســول الـلـه (صـلـى الـلـه عليه وسلم) جلس يومًا مع أصحابه فقال لهم: يدخل عليكم الـيـوم رجــل مـن أهــل الجنة، فاشرأبت األعـنـاق نحو باب املسجد النبوي الشريف فــإذا برجل رث الثياب ضعيف البنية ظاهر عليه أحـوال الفاقة، فقام املصطفى وأحسن استقباله وحياه وعانقه، فقال أبو هريرة أهو هو، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نعم، فقال أبو هريرة إنــه عبد مملوك لبني فــالن، فــرد عليه املصطفى (عليه أفضل الصالة وأتم التسليم) بأن هذا هو حظه في الدنيا، ولكنه سيكون من ملوك اآلخرة. لقد كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يربي أصحابه على مكارم األخالق، ومنها عدم تحقير بعضهم لبعض ولــــو بــكــلــم­ــة شــــــارد­ة فـــي لــحــظــة غـــضـــب، ولـــذلـــ­ك اضطر الصحابي الجليل أبــو ذر الـغـفـاري أن يضع خــده على األرض ويطلب من سيدنا الصحابي الجليل بالل بن رباح أن يطأ بقدميه خده كناية عن اعتذار أبي ذر له عن كلمة نابية صدرت منه بلغها بالل للرسول فـاستهجنها عليه الصالة والسالم، فقال ألبي ذر إنك امرؤ فيك جاهلية، فهل يدرك الذين يحقرون غيرهم عظم ما هم فيه من جاهلية وجــهــل ومـخـالـفـ­ة ألوامــــر الــخــالـ­ـق الـعـظـيـم ولتوجيهات رسوله الكريم. وعـلـى أيــة حــال فــإن الـحـد مــن هــذه الـتـصـرفـ­ات القبيحة تــحــتــا­ج إلــــى نــظــام صــــارم يــجــرمــ­هــا ويـــؤاخــ­ـذ مـــن يقوم بتحقير اآلخـريـن بسبب نسب أو لـون أو جـاه أو مـال أو وطن.. والله الهادي إلى سواء السبيل!!.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia