حوار مع أناس أحبوا الفلوس أكثر من الوطن!
علمونا يومًا أن الرغيف الذي ال يقسم إلى نصفني ال يـــشـــبـــع، وعـــشـــنـــا وشـــفـــنـــا مــــن يـــســـرق الرغيف والقمح والسنبلة وطـني األرض، أنــاس أبــاح لهم الجشع كل ذلك فصنعوا من الطمع مقاعًا لرجم الوطن، قلت لنفسي وأنا أشاهد مشاريع معطلة وأخرى منفذة مـضـروبـة مهلهلة، أدر ظـهـرك يــا أبــا فـــراس للمعقول واملنطق والعادي واملألوف، واملقنع والصحيح، وحـاور بعض املنفذين واملشرفني، كي تفوق، قلت لهم، هل لي بإيضاح يا قوم؟ أين هي املــشــاريــع مــن الـــدراســـات واملــقــتــرحــات وامليزانيات والنفقات، أيـن ذهبت الـوعـود والفلوس؟ قالوا لي تــمــدد عـلـى األريــكــة يــا عــجــوز، فـنـحـن ال نـفـهـم في جودة التنفيذ وال تحقيق املواعيد، وال التخطيط، وال نلتفت للمقترحات، نحن ال نهتم وال نفهم إال فــي الــفــلــوس! ومـــن أجـــل الــفــلــوس قـاطـعـنـا األمانة ونسينا الصدق، قلت لنفسي لم تعد األوطان تحرك داخلهم شيئًا، فا شك أنها الفلوس..! فمن أين لي ببحر ال يـشـاركـنـي فـيـه أحــد ليستقيم الـفـكـر، قلت لهم على الرصيف يبدو أنكم تركتم بيارة مفتوحة عند التنفيذ، وسلكًا كهربائيًا مقشوعًا، وهناك طفل ابتلعته البيارة بعد أن صعقه السلك املقشوع، وأمه تبكي بحرقة وتتذوق دموعًا مالحة بطرف لسانها فما العمل؟ قالوا لي ال تبتئس أيها العجوز فنحن فريق عرف عنه إنتاج الدموع املحلية وتصديرها بــالــدوالر، وارتـفـعـت قهقهات األوغــــاد مــا إن أدرت ظهري، قلت لنفسي يبدو أن الله كتب عليك أن يتبخر كل شيء جميل في حياتك، مات أبوك، وتبعته أمك، وتناقص أصدقاؤك في بطن التراب، وأحفادك يكبرون كل يوم بعيدين عنك فتشيخ، وفتك اللصوص بمدينتك، قلت لهم يـا ربــع أن الحياة لـم تعد صالحة في وجودكم فما العمل؟؟ قالوا لي ليس على املغفلني حرج، وغنوا أغنية عن "النزاهة" مطلعها، كيفك يا طير الوروار، ونسيت آخرها، عند الباب سألني عابر سبيل، يجلس على ما تبقى من رصيف بيت، ماذا حل بمدينتكم؟ قلت له منذ الكارثة األولـــى، تركنا مدينتنا املنكوبة بيد مجموعة، تحمل قسمات وجهها تقاطيع تختلف عما هو في الهوية، أبـرزوا لنا الهوية مرفقًا بها حسن سيرة وسلوك، وأبرزوا لنا بطاقة مهنة، في خانة املهنة موظفني شرفاء، اطمأننا إلى ذلـك، وتركنا كامل الحلول بني أيديهم، ولأسف قضوا على املدينة، ولم يقضوا املشروع! قال لي وهل تحدثتم مع الشرطة؟ قلت له ضابط الشرطة عندما عاين الحادث اكتشف أننا ضحية أننا قرأنا ما هو مكتوب في خانة املهنة، وتجاهلنا ما هو مكتوب على وجوه املوظفني، قال لي ومــاذا تنتظرون اآلن؟ قلت له لقد جــاؤوا برجل "صالح" قد يعوضنا عـن كـل مـا فــات، قــال لـي التعويض عـن مـــاذا؟ قلت له عن املدينة املنكوبة، قال لي وكيف سيحسبون الخسارة والثمن؟ بالكيلو، بالرطل، أم باملتر! قلت له ال أعـلـم!! كل ما أعلمه أنهم قـالـوا لـي ضعوا آمالكم فـي "صــالــح"، قــال بيعوا ما تبقى من املدينة لتسددوا ديون موتاكم في الكارثة األولى والثانية، وابحثوا لكم عن مدينة جديدة قبل أن تحل بكم الـكـارثـة الثالثة، قلت لـه بعض خبراء الطبيعة قالوا لنا إن غضب الطبيعة نتيجة ما فعله السفهاء منا، قــال لـي مـا شاهدته فـي مدينتكم هو فـعـل مــن أفــعــال الـبـشـر، ولــيــس للطبيعة شــأن بها، فالطبيعة لديها قوانني نزيهة، فا يوجد نفق في كل العالم ينصب لك كمينًا! واملطر ال يغدر بك بل ينذرك بالريح، والبحر ال يبتلعك إال إذا قفزت إليه وأنت ال تحسن فـن الـعـوم، أنتم البشر مـن يتعامل بشكل خاص مع قوانني الطبيعة الثابتة بشكل همجي، عند ذلـك تحدث الـكـوارث، تمهدون الجبال وتحولونها إلــى مـخـطـطـات، وتــردمــون الـبـحـر وتـقـيـمـون حوله األســــــــوار، وتــقــتــلــعــون الـــحـــدائـــق وتــجــعــلــون منها ملحقات للضيافة والهشتكبشتك، عندها التفت إلى عابر السبيل مفزوعًا، وسألته وكيف عرفت الهشتكبشتك وأنت عابر سبيل، قال لي من يعرف القوم أربعني يومًا يتعلم الهشتكة والبشتكة، عندها تحركت إلى بابي مودعًا، ودعني قائا فعا، يبدو عليك اإلرهــاق لذا سأتركك لتذهب للنوم، قلت له لأسف كلما حاولت النوم تزورني حروف الطباعة غاضبة وتصيح في وجـهـي، تدعي أننا نستخدمها فـي غير مـا اخترعت مـن أجله، فقد اخترعها اإلنسان لتسجيل الحقيقة على الورق ونشر سيادة قيم الحق والعدل، والجمال والخير على األرض، قال لي، ملاذا ال تقنعها أن الـزمـان تغير وتغيرت معه القيم والـذمـم ونخوة الرجال!! قلت له حاولت فرفضت منطقي وخرجت غاضبة، قال لي ال بأس فالكل يغضب عندما نقول الحقيقة!