ال خالفة بعد الثالثني !
بـعـد أن سـقـطـت ورقـــة الــتــوت الــتــي كــانــت تواري عــوار فـكـره، وضحالة علمه وصغر نفسه، وبعد أن انتهك نفر من حراس أبوغريب رجولته فخرج مجلال بـالـعـار والـفـضـيـحـة، متخفيًا بــني شــقــوق املــنــازل وأزقة بـغـداد واملــوصــل، ادعــى الخالفة وعــاث فـي األرض فــســادًا. سلط أعــوانــه فـغـيـروا مـنـار األرض واسـتـبـاحـوا حـرمـاتـهـا ولــغــوا في الدماء البريئة وانتهكوا أماكن العبادة ومساجد يرفع فيها اسم الله وذكره، حتى سلط الله عليهم من حصدهم حصدًا وأبادهم عـددًا فكانوا كفئران هاربة إلـى جحورها تقتل بالجملة، وسط فرحة عامرة بالنهاية. بأحالمه املريضة وعقده النفسية الدفينة وهزيمته املنكرة يعود أبوبكر البغدادي زعيم التنظيم اإلرهابي األشرس في تاريخ املسلمني عن طريق املوقع اإللكتروني (الغرباء) يطلب تجديد بيعته كخليفة للمسلمني. الخالفة فكرة عقيمة امتطاها البعض للوصول إلـى أهدافهم الدنيوية من الخوارج واإلخـــوان والــدواعــش. فالخالفة تعني خـالفـة شخص للرسول عليه الصالة والسالم في إقامة القوانني الشرعية وحفظ حوزة الدين على وجه يجب اتباعه على كافة األمة، فهل يقول عاقل إن البغدادي اإلرهابي وأمثاله من الخوارج واإلخـوان ممن يدعون الخالفة ويسعون إليها يستطيعون أن يحفظوا حوزة الدين وهم أول املنتهكني لها، وهـل يستطيعون أن يتقيدوا فـي سلطانهم املـــزعـــوم بـــحـــدود الـــشـــرع ال يـتـخـطـونـهـا لــيــضــبــطــوا حماقتهم وجموحهم للقتل والتدمير، وشهواتهم النازعة للشرور واملهالك. روى اإلمام أحمد عن رسول الله عليه الصالة والسالم (أن الخالفة فـي أمتي ثـالثـون سنة ثـم ملك بعد ذلــك) وهــي فترة خالفة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ويؤكدها ابن تيمية في تقرير خالفة الخلفاء الراشدين األربعة في ثالثني سنة ثم يصبح ملكًا، فأين مستند املطالبني بخليفة للمسلمني، وهي انتهت بنهاية الخلفاء الراشدين عـالوة على أنها غير موجودة في كتاب الله ال بنص حتى ولو باإلشارة أو آية تؤكد أن األمة األسالمية يجب أن يكون لها خليفة، فالقرآن لم يفرط في كبيرة وال صغيرة إال أحصاها، فقال أمرهم (شورى) ووضح آية الدين والرضاع وأحكام القتال ووثــق كل أمــور ديننا ودنيانا ولـو كانت الخالفة حقا وواجبا لكانت في الكتاب مسطورًا فالقرآن أهملها كما السنة النبوية فال يستطيع املنادون بها الركون إلى نص صريح يستدلون عليها، فهي أضغاث أحالم تراود بعض املرضى واملهووسني ومن يزعق ويقول والله أني أراهـا قادمة وهو كذوب ومن يدعي من منبره أنها والله واجبة وهو حالم، بل إن هناك من الشعراء والدعاة من كان ينشد الخالفة لشخص معني ليشبع بطنه ويحشي جيوبه ذهبا وفضة، فيقول الفرزدق: هـــــــــــــشــــــــــــــام خــــــــــــــيــــــــــــــار الــــــــــــــلــــــــــــــه لــــــــلــــــــنــــــــاس
بــــــــه يــــنــــجــــلــــي عــــــــن كــــــــل أرض ظــــالمــــهــــا. ويقول آخر: جـــــــــــــاء الــــــــخــــــــالفــــــــة أو كــــــــانــــــــت لــــــــــه قــــــــــدرًا
كـــــمـــــا أتـــــــــــى ربـــــــــــه مـــــــوســـــــى عـــــلـــــى الـــــقـــــدر وبالغ أحدهم طمعًا في العطية بقوله: مـــــــــــا شـــــــئـــــــت إال مـــــــــــا شــــــــــــــــــاءت األقــــــــــــــــــدار
فـــــــــاحـــــــــكـــــــــم أنــــــــــــــــــت الـــــــــــــــواحـــــــــــــــد الـــــــقـــــــهـــــــار فليس هناك خالفة بعد الثالثني عاما من حكم الخلفاء الراشدين ال بالعقل وال بالنص. وإنما إمضاء ألحكام الشرع وتطبيقها فــإذا تـوطـأت األمــة على الـعـدل وتنفيذ أحـكـام الله لـم تكن األمة اإلســالمــيــة فــي حــاجــة إلـــى خـلـيـفـة. كــل دولـــة لـهـا حــريــة اختيار نـوع الحكم الــذي يناسبها ال يكلفهم الله بيعة لخليفة بعينه، يــورد الطبري أن سيدنا عمر خطب يـوم وفــاة نبي األمــة بقوله (أيها الناس أني قد قلت لكن باألمس أن رسول الله لم يمت وأنه ذهب ملالقاة ربه وهـذا كان رأيــي، وما وجدته في كتاب الله وال كانت عهدًا عهده إلى رسول الله. والله قد أبقى فيكم كتابه الذي هدى به رسوله فإن اعتصمتم به هداكم الله. وإن الله قد أجمع أمركم على خيركم صاحب رســول الله وثاني اثنني إذ هما في الغار فقوموا بايعوه)؛ فرسول الله لم يبني أمـر الخالفة بنص صريح وإنـمـا تركها ملـن بـعـده. يقول ابــن خـلـدون (إنــه قـد ذهب رسم الخالفة وأثرها بذهاب بيعة العرب وفناء جيلهم وتالشي أحوالهم وبقي األمر ملكا بحتًا وليس للخليفة من شيء) ولقد استمرت أمــم اإلســالم فـي أداء فرائضها والقيام بـشـؤون دينها ومزاولة طقوسها حتى من دون قيام خليفة، وقد امتألت كتب التاريخ بأسماء خلفاء كانوا مسبة في جبني أمة محمد فاإلسالم ديـن عظيم ال ترتبط شعائره بخليفة وإنما هي دعــوات واهية باطلة ترضي العواطف وتدغدغ شعور البائسني وعلى شباب األمة أن يعوا ملثل هذه الدعوات الباطلة فال طاعة للخوارج فهم أكـثـر الـنـاس تلهفًا للخالفة. فـإقـامـة الـخـالفـة ال تـكـون باالدعاء واإلعالن فال قيمة إلعالن ليس له حقيقة في الوجود. ورحم الله القاضي الشرعي علي عبد الـرازق الذي طالب بإلغاء الخالفة بل وأنكر وجودها من األساس في كتابه القيم (اإلسالم وأصـول الحكم) الصادر في العام ،م1925 وليته يعمم ويدرس فهو بألف كتاب من كتب اإلخوان املسمومة. * كاتب سعودي