شبابنا السعودي.. وقفزاته الواثقة نحو اإلبداع
باملشاركة في أكثر من مؤتمر محلي ودولي، وبالذات خـــالل الــســنــوات األخـــيـــرة، نـجـد أن الـجـيـل السعودي الــشــاب يـخـتـرق مختلف املــحــافــل الـعـلـمـيـة، ويبرهن يـومـا بعد اآلخــر أنــه فـي طريقه لكسب التحدي نحو قـيـادة مسيرة التنمية االقتصادية، وتحقيق التنويع االقتصادي الـذي تستهدفه رؤية .)2030( وعلى الرغم من كوننا في مراحل أولـيـة نحو تحولنا إلـى اقتصاد معرفي، لم ينتظر كثير من شبابنا حتى استكمال البنية األساسية ليتحرك، ولم ينتظر تطوير التعليم ليبدأ، ولم ينتظر الجوائز التي تحفزه نحو اإلبداع ليبدع، بل حمله على السير في طريق التحدي، الشعور بكون املرحلة الحالية لالقتصاد السعودي، إنما هي مرحلة تــســابــق مــع الـــزمـــن؛ فـمـعـظـم دول الــعــالــم قــد تـــجـــاوزت مـرحـلـة بناء الكفاءات البشرية، ودخلت مراحل املنافسة االقتصادية القائمة على اإلبداع واالبتكار. وهـنـالـك مجموعة مــن الــعــوامــل الـتـي حــركــت هــذه الــقــدرات الشابة، وأكسبتها القدرة على التحدي، نلخصها من خالل النقاط التالية: أوال: اعتراف املجتمع أن األداء في ماضي االقتصاد السعودي غير مستدام، ومصير االستمرار فيه متقلب وبشكل كبير؛ إذ كان اقتصادا ر ا يقوم على ما تقدمه الحكومة للمجتمع من خدمات، وفرص وظيفية وتعليمية وصحية وغـيـرهـا، بتمويل مـن مـــوارد طبيعية تقوم باستغاللها ــ وفي حالة اقتصادنا يمثل النفط املورد الرئيس الذي تنفق من إيراداته الدولة وبالتالي، كانت الوظائف الحكومية، إلـــى ســنــوات قــريــبــة، مـتـاحـة لـكـل الــخــريــجــن، مـهـمـا كـــان مستواهم العلمي. ونتيجة لذلك، لم يتولد حافز املنافسة واإلبـداع؛ فالوصول إلى مصادر الحصول على الرزق، كان من السهولة بمكان. ولكن بمرور السنن، ومع تزايد عدد سكان اململكة، والتقلبات التي لحقت باألسعار العاملية للنفط، تالشت سهولة كسب الــرزق، وقلت فرص الحصول على وظائف مناسبة أو حتى غير مناسبة؛ فأصبحت املنافسة على اقتناص املتاح من الوظائف شديدة، وحدوث ذلك أخذ يـقـرع جــرس اإلنـــذار مــؤذنــا بتغير األوضــــاع، وإعـــالن أن الشهادات العلمية الروتينية وحدها ال ولن تكفي للحصول على وظيفة. ثانيا: مع تضخم الجهاز الحكومي، وفقده لقدرته على استيعاب املـــزيـــد مـــن الـــوظـــائـــف، مـــع تـــجـــاوزه ذلـــك إلـــى انــخــفــاض انتاجيته، وتسيد البطالة املقنعة، بمختلف صورها، في معظم أجهزته، برز التوجه الحكومي إلعـطـاء القطاع الـخـاص فرصته لقيادة التنمية االقتصادية، ولتحمل العبء األكبر من توظيف الشباب، وفـي ذلك تجاوز للمرحلة التي تعود فيها ذلك القطاع على توظيف عمالة أقل رواتب، وأعلى إنتاجا. ثالثا: مع التوسع في برامج االبتعاث إلى الخارج ملختلف املراحل، تحققت فــوائــد كـثـيـرة إضــافــة إلـــى الـتـحـصـيـل الـعـلـمـي، تمثلت في احتكاك الشباب املبتعث باملجتمعات األجنبية املختلفة واضطراره لالنخراط في الكثير من عادات الدراسة والعمل القائمة على التنافس والحرص على التطوير، مع قضاء الساعات الطوال ملواجهة تحديات كسب الـرزق. وبمعايشة كل ذلك أدرك املبتعث السعودي، أال أحد في تلك املجتمعات ينتظر أن تــقــدم لـه وظيفته، أو أن يتم إرشـــاده إلى طريقه العلمي أو العملي. وهــذا االحتكاك قـد يكون مـن أبــرز مزايا االبتعاث؛ فقد عمل ويعمل ا على معتقدات ومفاهيم سادت لدينا لفترات طويلة حـتـى تــجــذرت فـي عـقـول الكثيرين مـنـا؛ فكان انتزاعهاصعب اوحده. رابعا:تقلصالفرصالوظيفية،أوجد ا، وهو ما أشعل روح التحدي لدى شبابنا؛ وجعله يوقن أن الطريقة التقليدية في تلقي العلم واالكتفاء به وسيلة القتناص الوظائف لن تجدي؛ بل الطريقة الصحيحة والفعالة لكسب التحدي تقوم على العمل على اكتساب املهارات في املجاالت املختلفة، وممارسة التدريب الالزم، واختيار التخصصات التي يحتاجها سوق العمل. إذا فشبابنا هذه األيــام «غير» - ولله الحمد -، وهو وإن كان اليزال يـنـقـصـه الــكــثــيــر، إال أنــــه ســائــر فــي الــطــريــق الــصــحــيــح. ومـــن خالل مشاركاتي فـي العديد مـن املـؤتـمـرات املحلية، ومتابعة العديد من الجلسات التي تصدى لها شبابنا، نجد أنفسنا قد تجاوزنا التصفيق املستحق إعجابا إلى ذرف الدموع فرحا وإعجابا واطمئنانا على
َِ مستقبل وطننا الغالي. فـهـا هــم، وفـي مختلف املـجـاالت، يصولون ويجولون في استعراض أوراقهم العلمية بطرق غير تقليدية، طرق أكثر قدرة على اإلقناع، وتدل على فهمهم الكامل ملا يقومون به من تجارب، تاركن وراء هم التخوف من مواجهة مختلف املحافل، واثقن من أنفسهم، جاهزين لإلجابة عن كـل األسئلة. وفـي أحـد املؤتمرات املحلية تصدرت مجموعة من الشباب السعودي لتحكي لنا تجاربهم في التعامل مع رأس املـال «الـجـريء»، وكيفية تعاملهم مع مختلف املــخــاطــر فــي ،)VENTURE CAPITAL( وســبــلــهــم لـكـسـب التحدي وتحقيق النجاح الــذي وصـلـوا إلـيـه بكل ثـقـة، وكيفية استقطابهم ملــزيــج مــن رؤوس األمـــــوال والـــكـــفـــاءات املــبــدعــة لـتـكـويـن شراكاتهم
ُِّّ الناجحة، وكانوا يعرضون أرقام هذه النجاحات، وكيف أنهم في ظل سنوات الركود االقتصادي املاضية قد حققوا مستويات أرباح تعد بمختلف املعايير قياسية. وختاما، فإن ما ذكرته، ال يعني أن جميع الشباب السعودي قد سلك الطريق نفسه، أو أن كل من سلكه قد نجح. كما أن ذلك ال يعني - على اإلطالق - االستغناء عن الخبرات القائمة التي يحتاجها االقتصاد، مهما شغل الشباب مختلف املهام. وحري بنا أن نجمع بن االثنن؛ ضمانا ألن تسير البوصلة االقتصادية فـي اتجاهها السليم. هذا االتجاه الجديد يعني أننا مجتمع قابل للتغيير نحو األحسن، وأن التغيير أمر ال مفر منه، إن أردنـا أن يكون لنا موطئ قدم بن األمم التي قفز كثير منها إلى املقدمة باالهتمام الذاتي بالتطوير البشري، وليس التطوير األسمنتي؛ فهو لم يعد مقياسا للتنافس العاملي. * المستشار االقتصادي والنفطي