الزيارة امللكية للجوف وإرهاصات حقبة صناعية جديدة
ربــطــا بــمــا كـتـبـتـه فــي مــقـالـتـي األســـبـــوع املــاضــي عــن املــــوارد الطبيعية التي تزخر بها منطقة الجوف مقابل تدني وتواضع املوارد البشرية املاهرة وذلك تمهيدًا لوضع املنطقة على السكة التنموية الصحيحة في ضوء رؤية اململكة ،2030 وبالتزامن مـع الــزيــارة امللكية الكريمة ملنطقة الـجـوف وعــدد مـن مناطق اململكة والتي عادة ما تشهد وضع حجر األسـاس للعديد من املشروعات التنموية. تأثرت التركيبة السكانية في الجوف من جوارها الجغرافي والــتــاريــخــي لــلــعــراق والــشــام نــظــرا ملـوقـعـهـا الــجــغــرافــي الذي شكل جسرا ثقافيا وحضاريا وتجاريا بـن كـل هـذه املناطق والحضارات. فتسمية سكاكا نسبة إلى موقعها كسكة بن هذه األقاليم ومكة املكرمة واليمن. رغم هجرات البادية الكبيرة واملتالحقة عبر التاريخ إلى منطقة الجوف من قبائل عربية شتى ومن كافة االتجاهات الجغرافية واستيطانها لها، استوعبت املنطقة كل تلك الهجرات وتمكنت مــن هـضـمـهـا وصــهــرهــا ثـقـافـيـا فــي حــاضــرتــهــا بديناميكية تفاعلية قل نظيرها في العديد من املدن واملناطق التي بقيت باديتها على األطراف وفي الهوامش من األحياء. كــان أحــد أبـــرز أســبــاب انـصـهـار الــبــاديــة فــي حــاضــرة الجوف وانــدمــاجــهــا الــكــامــل بــهــا هـــو الــعــمــق الـــحـــضـــاري التراكمي الضارب في التاريخ حيث تزخر بطون كتب التاريخ بالعديد من املحطات التاريخية التي انضوت تحتها املنطقة، وحيث الشواهد واآلثار وحيث كشفت النقوش وعلماء اآلثار عن أقدم مستوطنة بشرية فـي الجزيرة العربية فـي الشويحطية أحد املــواقــع خضعت والتــــزال تخضع لعمليات الحفر والتنقيب والدراسات. الــســبــب اآلخــــر فــي انـــدمـــاج الــبــاديــة فــي حــاضــرة الــجــوف هو اقتصاد املنطقة الــزراعــي والثقافة الـزراعـيـة، ملـا تتوافر عليه املنطقة من مخزون هائل من املياه فضال عن البيئة الزراعية الـواسـعـة، املـيـاه الـتـي شكلت نقطة جــذب واستقطاب للبادية فـاسـتـوطـنـت وامــتــهــن بــعــض أهــلــهــا الـــزراعـــة. فـحـيـثـمـا تكون الزراعة تكون الحضارة. كما أن التعليم العام والجامعي في السنوات األخيرة شكل مع معطيات التقنية قطب الرحى لتحضر البادية بعد استيطانها للعديد من املدن والقرى. لــم تحتل الــجــوف موقعا مهما فــي الـخـارطـة الثقافية مثلما هي الخارطة الـزراعـيـة، وهــذا ينطبق على الكثير من مناطق اململكة إذا ما استثنينا املدن الكبرى مثل الرياض وجدة، لكن اإلحـــصـــاءات تـشـيـر إلـــى أن إصـــــدارات نـــادي الــجــوف الثقافي فــي الــســنــوات األخــيــرة نــاهــزت الـــــ001 إصــــدار، وأن إصدارات مـركـز عبدالرحمن الـسـديـري الثقافي قـد نـاهـزت 200 إصدار وهــذه اإلصــــدارات تعكس الـعـديـد مـن االهـتـمـامـات واملجاالت والدراسات. ناهيك عن النشاطات الثقافية املنبرية في هاتن املؤسستن وفي غيرهما من املؤسسات العلمية واالجتماعية، باإلضافة إلـى معرض الكتاب في جامعة الجوف الــذي تكرر لسنتن أو أكثر. أخـــلـــص مـــن كـــل مـــا تـــقـــدم عـــن الــطــبــيــعــة الــســكــانــيــة ملنطقة الـجـوف واملعطيات الديموغرافية اإليجابية إلحــداث ثقافة صناعية وتحول صناعي مهم يستفيد وينسجم من موقع املنطقة الجغرافي وبنيتها التحتية ومع مواردها الطبيعية بــاإلضــافــة إلــى الـعـمـل الــــدؤوب عـلـى تـأهـيـل وتـهـيـئـة املوارد الــبــشــريــة الـــضـــروريـــة لــهــذه الــحــقــبــة ولـتـحـقـيـق هـــذا الهدف باإلرادة الصلبة والدراسات املتعمقة والتخطيط الشامل في ضوء رؤية 2030 الطموحة. * كاتب سعودي