Okaz

إسرائيل: مشروع دولة فاشل

- د. طالل صالح بنان * talalbanna­n@icloud.com

إسرائيل، وإن تجاوزنا الزعم بأنها دولة، هي من الناحية الفنية والـسـيـاس­ـيـة والـعـلـمـ­يـة واألخــالق­ــيــة، لـيـسـت كــذلــك. مــن الصعب القول: إسرائيل تمثل الهوية الوطنية لـ «شعبها»، تعكس حقه األصيل في تقرير مصيره. باملناسبة: قانون القومية األخير يجعل حق تقرير املصير لليهود فقط، بينما ما يزيد على 03٪ من «مواطني» إسرائيل عرب! على أي حال: عرب 48 الفلسطينيو­ن، باختالف طوائفهم، ال يرفضون الهوية اإلسرائيلي­ة، فحسب... بل يتحدون واقـع وجـود إسرائيل نفسها على أرضهم. أيضًا: هناك يهود يتحدون شرعية وجود إسرائيل نفسها، على أسس دينية وقومية وثقافية. ال تــوجــد دولـــة فــي الــعــالـ­ـم، هــنــاك نـــزاع إقـلـيـمـي عـلـى أرضــهــا، مـثـل إسرائيل. إســرائــي­ــل، فــي حقيقة األمــــر، كــيــان غــاصــب لــقــوم أتـــوا مــن خارج فلسطن، ليستعمروا أرضًا لشعب (الفلسطينيو­ن) ترتبط جذوره التاريخية والثقافية واإلنـسـان­ـيـة بــأرض فلسطن. حتى نهاية سبعينات القرن املاضي، هناك دول في أوروبــا الغربية نفسها، مـثـل: إسبانيا والـيـونـا­ن والفاتيكان لـم تكن تعترف بإسرائيل. جـمـيـع دول أفـريـقـيـ­ا واملـعـسـك­ـر االشــتــر­اكــي فــي أوروبــــا الشرقية واالتــحــ­اد السوفيتي والــصــن.. وكـثـيـر مــن دول الهند الصينية وأمريكا الالتينية، لم تكن تعترف بإسرائيل. حتى عندما نجحت إسرائيل بتوسيع رقعة إقليمها، بعد حرب يونيه ،1967 لم تتمكن مــن فــرض واقــع هــذا الـتـوسـع اإلقليمي الـجـديـد إلقليمها، املثير للجدل أصــال، فحسب... بـل إنها فشلت فـي االحتفاظ باألراضي العربية، وأجـبـرت عن التخلي عن معظمها.. وتـواجـه صعوبات جغرافية وإنسانية وسياسية وقانونية ودولــيــة، فـي االحتفاظ بما بقي منها تحت احتاللها. هذا التعقيد في عنصري السكان واإلقليم، اللذين يمثالن الجغرافية السياسية، ألي دولــــة، بـبـعـديـه الـتـضـاري­ـسـي واإلنــســ­انــي، ينعكس عـلـى الـعـنـصـر الثالث مــن عناصر الــدولــة (الـحـكـومـ­ة). مهما قيل عــن ديمقراطية الـنـظـام السياسي اإلسرائيلي، إال أن أقـل مـا يمكن أن يـقـال عنه بأنه نظام غير مستقر، هـذا إذا ما تجاوزنا معضلة خلفية النظام التمثيلية (العرب 03٪ من السكان لهم ٥1 نائبًا في الكنيست من بن ..)120 وإذا ما غضينا الطرف، عن سبة العنصرية املتأصلة فيه. مؤخرًا: نادرًا ما كانت تحكم إسرائيل حكومة قوية تحظى بأغلبية حزبية حصرية في الكنيست.. ونــادرًا ما تبقى حكومة ائتالفية في إسرائيل املدة املحددة لها دستوريًا. بينما تتفادى األحزاب نصاب خوض االنتخابات نجدها تدخل في تكتالت، التي سرعان ما تنفض عند تشكيل الحكومات. في غياب توفر عناصر الدول الرئيسية، يعزى وجود إسرائيل لعاملن أساسين: املتغير الخارجي.. وإمكانات الردع التي تمتلكها. الغرب، وإن استطاع التغلب على املسألة اليهودية في مجتمعاته، بقيام إسرائيل، فإن تكلفة ذلك، ثبت أنها باهظة جدًا عليه، من الناحية السياسية واألخالقية واالقتصادي­ة. سيأتي يوم على الغرب لينوء بحمل إسرائيل ويتخلى عنها... هذا باإلضافة إلى استمرار املسألة اليهودية، في مجتمعات الغرب. ثـم إن إسرائيل ال تستطيع االسـتـمـر­ار اعتمادًا على قــدرة الــردع املـكـلـفـ­ة، التي تمتلكها. قــدرة إسرائيل اإلستراتيج­ية، بــدأت تفقد عامل الــردع لديها، شيئًا فـشـيـئـًا. لــم تـنـعـم إســرائــي­ــل بــالــســ­الم مـنـذ إنــشــائـ­ـهــا.. ولـــم تـقـو عـلـى االحتفاظ بــــاألرا­ضــــي الــعــربـ­ـيــة، الــتــي تــحــتــل­ــهــا.. ولــــم تـسـتـطـع أن تـتـخـلـص مـــن املسألة الفلسطينية داخلها، وال خارجها... بل إنها لم تتمكن من ردع الفلسطينين من مواصلة تحديهم لوجودها. حتى أنها لم تتمكن من مواجهة جيب فلسطيني في خاصرتها الغربية، ال يتعدى بضعة كيلو مترات مربعة، رغم الحصار ومــحــاوا­لت الـغـزو العسكري املـتـكـرر­ة. رغــم أن إسرائيل أضطرت لالنسحاب من قطاع غزة، إال أن القطاع يأبى إال ويمثل إلســرائــ­يــل شــوكــة أمـنـيـة وسـيـاسـيـ­ة وأخــالقــ­يــة وإسـتـراتـ­يـجـيـة، ال تسبب لها إزعاجًا فحسب، بل أملًا مبرحًا.. وهاجسًا إستراتيجيًا مقلقًا.. وشرعية سياسية منعدمة، وحمال أخالقيًا ال يطاق. يــوم اإلثـنـن قبل املــاضــي، فشلت قــوة إسرائيلية نوعية متسللة تـحـت جـنـح الــظــالم مــن الـقـيـام بمهمتها فــي قـطـاع غـــزة، تصدى لها فتية فلسطينيون، دون العشرين من أعمارهم. تمكن هؤالء الـفـتـيـة مــن قـتـل ضــابــط إسـرائـيـل­ـي كـبـيـر مــن الـنـخـبـة وآخــــر، مما أجبر حكومة نتنياهو مرغمة تتوسل العودة لحالة التهدئة. لم تكتف املقاومة في غزة بهذا االنتصار املعنوي والنوعي الكبير، فحسب... بل تحديًا إلمكانات الردع اإلسرائيلي­ة اشتبكت على طول الجبهة الشمالية والـشـرقـي­ـة والجنوبية وأمــطــرت املستوطنات اإلسرائيلي­ة بمئات من الصواريخ، التي أجبرت عشرات األلوف من املستوطنن الصهاينة قضاء ساعات في املخابئ وسط الظالم الدامس. أحد هذه الصواريخ أصــاب حافلة جنود إسرائيلية، إصـابـة مباشرة شاهدها العالم بـأسـره. هذا باإلضافة إلى مسيرات العودة السلمية، التي تواصل فعاليتها كل جمعة، على حدود القطاع مع إسرائيل. باختصار، استراتيجيًا: بهذا التحدي لقوة الردع اإلسرائيلي­ة، أضحى قطاع غزة هو املحاصر إلسرائيل.. وليست إسرائيل هي املحاصرة لقطاع غزة. إسرائيل، بعيدًا عن الجدل التاريخي واألخالقي لواقع وجودها، ال تتوفر لديها عناصر الدولة.. وال تمتلك قوة ردع إستراتيجية لفرض واقع وجودها العارض على املنطقة. إسرائيل مشروع دولة فاشل، زائل ال محالة... حتمية تاريخية. * كاتب سعودي

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia