إسرائيل: مشروع دولة فاشل
إسرائيل، وإن تجاوزنا الزعم بأنها دولة، هي من الناحية الفنية والـسـيـاسـيـة والـعـلـمـيـة واألخــالقــيــة، لـيـسـت كــذلــك. مــن الصعب القول: إسرائيل تمثل الهوية الوطنية لـ «شعبها»، تعكس حقه األصيل في تقرير مصيره. باملناسبة: قانون القومية األخير يجعل حق تقرير املصير لليهود فقط، بينما ما يزيد على 03٪ من «مواطني» إسرائيل عرب! على أي حال: عرب 48 الفلسطينيون، باختالف طوائفهم، ال يرفضون الهوية اإلسرائيلية، فحسب... بل يتحدون واقـع وجـود إسرائيل نفسها على أرضهم. أيضًا: هناك يهود يتحدون شرعية وجود إسرائيل نفسها، على أسس دينية وقومية وثقافية. ال تــوجــد دولـــة فــي الــعــالــم، هــنــاك نـــزاع إقـلـيـمـي عـلـى أرضــهــا، مـثـل إسرائيل. إســرائــيــل، فــي حقيقة األمــــر، كــيــان غــاصــب لــقــوم أتـــوا مــن خارج فلسطن، ليستعمروا أرضًا لشعب (الفلسطينيون) ترتبط جذوره التاريخية والثقافية واإلنـسـانـيـة بــأرض فلسطن. حتى نهاية سبعينات القرن املاضي، هناك دول في أوروبــا الغربية نفسها، مـثـل: إسبانيا والـيـونـان والفاتيكان لـم تكن تعترف بإسرائيل. جـمـيـع دول أفـريـقـيـا واملـعـسـكـر االشــتــراكــي فــي أوروبــــا الشرقية واالتــحــاد السوفيتي والــصــن.. وكـثـيـر مــن دول الهند الصينية وأمريكا الالتينية، لم تكن تعترف بإسرائيل. حتى عندما نجحت إسرائيل بتوسيع رقعة إقليمها، بعد حرب يونيه ،1967 لم تتمكن مــن فــرض واقــع هــذا الـتـوسـع اإلقليمي الـجـديـد إلقليمها، املثير للجدل أصــال، فحسب... بـل إنها فشلت فـي االحتفاظ باألراضي العربية، وأجـبـرت عن التخلي عن معظمها.. وتـواجـه صعوبات جغرافية وإنسانية وسياسية وقانونية ودولــيــة، فـي االحتفاظ بما بقي منها تحت احتاللها. هذا التعقيد في عنصري السكان واإلقليم، اللذين يمثالن الجغرافية السياسية، ألي دولــــة، بـبـعـديـه الـتـضـاريـسـي واإلنــســانــي، ينعكس عـلـى الـعـنـصـر الثالث مــن عناصر الــدولــة (الـحـكـومـة). مهما قيل عــن ديمقراطية الـنـظـام السياسي اإلسرائيلي، إال أن أقـل مـا يمكن أن يـقـال عنه بأنه نظام غير مستقر، هـذا إذا ما تجاوزنا معضلة خلفية النظام التمثيلية (العرب 03٪ من السكان لهم ٥1 نائبًا في الكنيست من بن ..)120 وإذا ما غضينا الطرف، عن سبة العنصرية املتأصلة فيه. مؤخرًا: نادرًا ما كانت تحكم إسرائيل حكومة قوية تحظى بأغلبية حزبية حصرية في الكنيست.. ونــادرًا ما تبقى حكومة ائتالفية في إسرائيل املدة املحددة لها دستوريًا. بينما تتفادى األحزاب نصاب خوض االنتخابات نجدها تدخل في تكتالت، التي سرعان ما تنفض عند تشكيل الحكومات. في غياب توفر عناصر الدول الرئيسية، يعزى وجود إسرائيل لعاملن أساسين: املتغير الخارجي.. وإمكانات الردع التي تمتلكها. الغرب، وإن استطاع التغلب على املسألة اليهودية في مجتمعاته، بقيام إسرائيل، فإن تكلفة ذلك، ثبت أنها باهظة جدًا عليه، من الناحية السياسية واألخالقية واالقتصادية. سيأتي يوم على الغرب لينوء بحمل إسرائيل ويتخلى عنها... هذا باإلضافة إلى استمرار املسألة اليهودية، في مجتمعات الغرب. ثـم إن إسرائيل ال تستطيع االسـتـمـرار اعتمادًا على قــدرة الــردع املـكـلـفـة، التي تمتلكها. قــدرة إسرائيل اإلستراتيجية، بــدأت تفقد عامل الــردع لديها، شيئًا فـشـيـئـًا. لــم تـنـعـم إســرائــيــل بــالــســالم مـنـذ إنــشــائــهــا.. ولـــم تـقـو عـلـى االحتفاظ بــــاألراضــــي الــعــربــيــة، الــتــي تــحــتــلــهــا.. ولــــم تـسـتـطـع أن تـتـخـلـص مـــن املسألة الفلسطينية داخلها، وال خارجها... بل إنها لم تتمكن من ردع الفلسطينين من مواصلة تحديهم لوجودها. حتى أنها لم تتمكن من مواجهة جيب فلسطيني في خاصرتها الغربية، ال يتعدى بضعة كيلو مترات مربعة، رغم الحصار ومــحــاوالت الـغـزو العسكري املـتـكـررة. رغــم أن إسرائيل أضطرت لالنسحاب من قطاع غزة، إال أن القطاع يأبى إال ويمثل إلســرائــيــل شــوكــة أمـنـيـة وسـيـاسـيـة وأخــالقــيــة وإسـتـراتـيـجـيـة، ال تسبب لها إزعاجًا فحسب، بل أملًا مبرحًا.. وهاجسًا إستراتيجيًا مقلقًا.. وشرعية سياسية منعدمة، وحمال أخالقيًا ال يطاق. يــوم اإلثـنـن قبل املــاضــي، فشلت قــوة إسرائيلية نوعية متسللة تـحـت جـنـح الــظــالم مــن الـقـيـام بمهمتها فــي قـطـاع غـــزة، تصدى لها فتية فلسطينيون، دون العشرين من أعمارهم. تمكن هؤالء الـفـتـيـة مــن قـتـل ضــابــط إسـرائـيـلـي كـبـيـر مــن الـنـخـبـة وآخــــر، مما أجبر حكومة نتنياهو مرغمة تتوسل العودة لحالة التهدئة. لم تكتف املقاومة في غزة بهذا االنتصار املعنوي والنوعي الكبير، فحسب... بل تحديًا إلمكانات الردع اإلسرائيلية اشتبكت على طول الجبهة الشمالية والـشـرقـيـة والجنوبية وأمــطــرت املستوطنات اإلسرائيلية بمئات من الصواريخ، التي أجبرت عشرات األلوف من املستوطنن الصهاينة قضاء ساعات في املخابئ وسط الظالم الدامس. أحد هذه الصواريخ أصــاب حافلة جنود إسرائيلية، إصـابـة مباشرة شاهدها العالم بـأسـره. هذا باإلضافة إلى مسيرات العودة السلمية، التي تواصل فعاليتها كل جمعة، على حدود القطاع مع إسرائيل. باختصار، استراتيجيًا: بهذا التحدي لقوة الردع اإلسرائيلية، أضحى قطاع غزة هو املحاصر إلسرائيل.. وليست إسرائيل هي املحاصرة لقطاع غزة. إسرائيل، بعيدًا عن الجدل التاريخي واألخالقي لواقع وجودها، ال تتوفر لديها عناصر الدولة.. وال تمتلك قوة ردع إستراتيجية لفرض واقع وجودها العارض على املنطقة. إسرائيل مشروع دولة فاشل، زائل ال محالة... حتمية تاريخية. * كاتب سعودي