مستقبل رواد األعمال
صدرت امليزانية العامة للدولة، وفيها الخير والبركة إن شاء الله، بهذه األرقام الطموحة املنتظر ترجمتها بإنجازات للتنمية املستدامة وتقوية دعـائـم االقـتـصـاد على أرض الــواقــع، وقــد جــاء التوجيه السامي الكريم واضحًا إلـى الــوزراء واملسؤولني بتنفيذ ما ورد في بنود امليزانية بما يحقق املـزيـد للتنمية وراحــة املـواطـنـني، وهـو الشغل الشاغل للقيادة – حفظها الله – ولعلنا نلمس اإلرادة الجادة في ترجمة أهداف رؤية 2030 وإنجاح برنامج التحول إلى اقتصاد ينفك مرحليًا من تبعات تقلبات أسعار النفط. لو نظرنا إلى تفاصيل أكثر وتحديدًا بشأن املشاريع الصغيرة واملتوسطة سنجد التحديات ال تزال كبيرة، ولعلنا في هذا نحتاج إلى دراسة تجارب الـــدول الـتـي قـدمـت نموذجًا لنجاح هــذا القطاع مـن املـشـاريـع الصغيرة واملـتـوسـطـة، الـتـي تسهم بنصيب كبير فــي اإلنــتــاج والـتـصـديـر وكذلك التوظيف، وأبـرزهـا الصني ودول أوروبـيـة وماليزيا وكـوريـا الجنوبية والهند، مقارنة بتجربتنا املتواضعة نظرًا لتراكمات عقود من الزمن، منذ أن قام القطاع الخاص على الشركات العائلية وصوال إلى الشركات املساهمة. في نفس الوقت كانت القوى البشرية السعودية تميل كل امليل للوظائف الحكومية حتى تشبعت قطاعاتها إلى حد البطالة املقنعة ومصروفات الرواتب التي ظلت تمثل النسبة األعظم من امليزانيات العامة، في الوقت الذي ظلت تقارير الرقابة اإلداريـة تسجل مشكلة تدني األداء في العديد من القطاعات، وفي نفس الدائرة شهدنا فترة طويلة من شكوى القطاع الخاص من ضعف مخرجات الجامعات، واتهام القطاع الخاص بالتهرب مــن الـتـوظـيـف وبينهما الـخـريـجـون والـخـريـجـات حــائــرون، نـاهـيـك عن التخصصات النظرية التي ال تؤكل عيشًا في سوق العمل منذ زمن، وهذه التحديات هي جانب مهم في خطة اإلصالح. فاليوم األوضــاع تتغير وتنقلب املـعـادالت مع تطور التنمية والتحول الرقمي، وتنامي دور القطاع الخاص في اإلنتاج والخدمات والتوظيف، وهـنـا تـأتـي أهـمـيـة بـنـاء قــاعــدة اقـتـصـاديـة بـأفـكـار مـبـدعـة، وأعــنــي هنا الشباب من الجنسني، ومن أجل ذلك انطلقت هيئة املشروعات الصغيرة واملتوسطة، وإسهامات ومبادرات الغرف التجارية والصناديق التنموية وفـي مقدمتها صندوق رأس املــال الجريء وغيرها من جهات التمويل ودراســات الجدوى االقتصادية لدعم مشروعات رواد األعـمـال، وحرص الـحـكـومـة عـلـى تـوفـيـر أســبــاب االنــطــالقــة الـصـحـيـحـة لـهـا واستقرارها ونموها. مــا تحتاجه التنمية املـسـتـدامـة هــو اسـتـثـمـار الـخـريـجـني والخريجات، وتحفيز رواد األعمال نحو املشروعات الصغيرة واملتوسطة املدروسة، لتسهم في العائد االقتصادي وليس مجرد توظيف خريجني، فحتى اآلن املشاريع الصغيرة لدينا تكاد تنحصر في قطاع التجارة االستهالكية وأعني البقاالت التي ال يكاد يخلو منها شارع وظل يديرها في الغالب األعم وافدون، لكن ما يفيد الشريحة الواسعة من شبابنا الطموح ويفيد التنمية، هو املشاريع الصغيرة واملتوسطة املتقدمة فكرة ونشاطًا، خاصة أن رؤية 2030 تستهدف رفع النسبة لهذا القطاع إلى ،%35 وإذا تحقق ذلــك فسنكون أمـــام قـطـاع يـديـر اسـتـثـمـارات إنتاجية وخـدمـيـة صغيرة ومتوسطة بآالف املليارات، شرط ديمومة املحفزات ودراسة دقيقة ألفكار املشاريع، وأن تواكب االقتصاديات الحديثة، ومساندتها باألنظمة لتأخذ فرصتها في التسويق أمام الشركات الكبرى وماكينتها الدعائية القوية. لـقـد احـتـفـل الــعــالــم مــؤخــرًا بــأســبــوع رواد األعــمــال ألهميتهم الحيوية فـي التنمية املستدامة، وإذا أردنــا تعميق ذلــك ورفــع املستوى املعيشي لألجيال وتقليص نسبة البطالة إلى الحد املستهدف، البد من النهوض بــرواد جنبًا إلـى جنب مع املشاريع االستثمارية الكبرى ملستقبل واعد بإذن الله.