Okaz

تحنو اﻹبل على أصحابﻬا فﺈذا ناموا فوق ﻇﻬورها الَتبُركخو عليﻬم من السقوط الراﻗصات الِحيلِة وﻗّوُة اﻻحتياِل

-

ًفا َُّ ‪َُ ََ ُِْْ‬ ‪َّ َُِ‬ ومن حديﺚ الجاحﻆ عن اإلبل التي ترعى، ينتقل بنا إلى الحديﺚ عن النوق املهرية (وهي نجائب سريعة العدو، تنسب إلى ‪ِِِ ِْ‬ ِّّ قبيلة مهرة بن حيدان)، فيقول: إن من الناس من يزعم أن من اإلبل من يتوحش، قياسا على توحش الحمير، والسنانير، والحمام. وألن الحيوان كلما اشتدت وحشيته، كان للخالء أطلب، فﺈن تلك اإلبل تنتقل إلى العيش في أرض وبار، وهي أرض الجن الضائعة غير املسكونة، التي أهلك الله تعالى أهلها، كما أهلك امم عاد وثمود، فبقيت إبلهم في أماكنهم، ال ﱞَ ًِﱡ يبلغها إنسي على حد ما تقول األسطورة، وقد يضل أحد الجمال املتوحشة طريقه، فيخرج من تلك األرض، وربما صادف إبال أهلية، فيضرب ناقة منها، فتكون املهرية نتاجا لذلك. َُ الراقصات هي اإلبل حني تسرع في سيرها. وفي مدار هذا السير تحضر أمثال وقصﺺ، ذكر منها الجاحﻆ قول القطامي التغلبي حني وصف إفراط ناقته في املرح والنشاط: يتبعن سامية العينني تحسبها** مجنونة أو ترى ما ال ترى اإلبل وقال الحطيئة: ُُ ‪َُ ُْ‬ لعمرك ما قراد بني كليب ** إذا نزع القراد بمستطاع ‪َِ ُِ‬ ويشرح الجاحﻆ ذلك بالقول: إن الفحل يمنع أن يخطم، فﺈذا نزعوا من قراداته شيئا لذ لذلك، وسكن إليه، والن لصاحبه، فعند ذلك يلقي الخطام في رأسه. ‪َّْ ََ َُ‬ وفي مضمار سير اإلبل وأنواعه، يورد صاحب كتاب (الحيوان)، حكاية «الجمازات»، وهي النوق املسرعات في عدوها، ويذكر في شأنها أن أصل هذه التسمية، يعود إلى أم جعفر ]زبيدة بنت جعفر زوج هارون الرشيد[، التي أمرت الرحالني أن يزيدوا في سير النجيبة، التي كانت عليها حتى تلحق بموكب الرشيد، فلما تحركت نجيبتها ومشت بها ضروبا من َِ املشي عديدة، ثم جمزت ]أسرعت[ في خالل سيرها، وأحدث ذلك راحة في نفسها، بل هي وجدت لذة في ما يحدثه ذاك الجمز من تمايل واهتزاز، فأمرت جماليها بأن يسيروا بها في تلك السيرة، ويحافظوا على ذاك اإلسراع، وهي في كل ذلك تصوبهم نحو أثر موكب الرشيد، وتخطئهم على قدر ما عرفت، حتى تم لها األمر وبلغت القصد. ويعلق الجاحﻆ على ِْ هذه الحكاية بقوله: «وكذلك ال يخلو جميع أمركم، من أن يكون اتفاقا، أو اتباع أثر». ِﻗ ّل ُة ‪ُْ َُ‬ تعرف اإلبل ما يضرها وما ينفعها، هذا ما يؤكده الجاحﻆ في (الحيوان)، ويؤكده من له أدنى معرفة بها. ودليل الجاحﻆ، أن «البعير يدخل الروضة والغيضة، وفي النبات ما هو غذاء، ومنه ما هو سم عليه خاصة، ومنه ما يخرج من الحالني جميعا، ومن الغذاء ما يريده في حال، وال يريده في حال أخرى، كالحمض والخلة، ومنه ما يغتذيه غير جنسه، فهو ال يقربه وإن كان ليس بقاتل وال معطب. فمن تلك األجناس ما يعرفه برؤية العني دون الشم، ومنها ما ال يعرفه حتى يشمه، ٍُ وقد تغلط في البيش فتأكله (والبيش نبات سام يشبه الزنجبيل)». ‪ُُ َُ‬ وقـد تعرض لﻺبل عــوارض تِقل فيها حيلتها، ويكون فيها هالكها، رغـم قــوة تمييزها وقــوة جسدها، وفـي هـذا يقول الجاحﻆ: «ومن عجيب سم األفاعي، ما خبرني به بعض من يخبر شأن األفاعي، قال: كنت بالبادية ورأيـت ناقة ترتع، ‪ًُ ََّ َْ‬ وفصيلها يرتضع من أخالفها، إذ نهشت الناقة على مشافرها أفعى، فبقيت واقفة سادرة، والفصيل يرتضع، فبينا هو َِ يرتضع إذ خر ميتا». وال ينسى الجاحﻆ، كعادته، استثمار وعيه النقدي، فيلوذ بعبارة املثل: «كالبعير املذبوب»، لتسليط نقده على مظاهر ٌِ بيئته االجتماعية، فيشرح تلك العبارة بالقول: إنه البعير الذي فيه غدة (وهي طاعون اإلبل)، تجعل الذبان يسقط عليه. ‪ُّ َُ ٌَ ََ‬ ِﱡ ‪ًََ ًَِِ‬ ﱡُّ والجمالون يعرفون أن الغدة إذا فشت أو أصابت بعيرا نقل الذبان العدوى إلى غيره من اإلبل. ثم يورد حكاية احتيال ِْ َِ ‪ََ ُّ‬ حداة اإلبل على صاحبها خاصة إذا كان في جماله الجمل النفيس أو الناقة الكريمة، وذلك ليرتاحوا من مشقة رعي تلك ‪َِ ِِ‬ ﱢَْ َُ اإلبل، فترى الواحد منهم يعمد إلى الخضخاض (وهو ضرب من القطران أسود رقيق، تطلى به اإلبل الجربى) فيصب فيه ‪َِّ َِ‬ شيئا من دبس، ثم يطلي به ذلك البعير النفيس، فﺈذا وجد الذبان ريح الدبس تساقطن عليه. فيدعي عند ذلك أن به غدة، وشاهده على ذلك عند صاحب اإلبل ما يوجد على البعير من الذبان! ‪َِ َِ‬ أما الثعالبي، فذكر في كتابه (فقه اللغة)، أن «البكر من اإلبل بمنزلة الفتى، والقلوص بمنزلة الجارية، والجمل بمنزلة ‪َِ َِ‬ الرجل، والناقة بمنزلة املرأة، والبعير بمنزلة اإلنسان».

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia