Okaz

إبل تحمل أمﺜالها

-

َْ كل مثل كان في أصله حكاية، ثم تعصر الحكاية حتى يرشح منها زيت حكمتها، فﺈذا انتشرت تلك الحكمة، وسارت بها ٍُ الركبان، سميت مثال. يقول العسكري: «وملا عرفت العرب أن األمثال تتصرف في أكثر وجوه الكالم، وتدخل في جل أساليب القول، أخرجوها في ‪َْ َُْ‬ َِّ أقواها من األلفاظ، ليخف استعمالها، ويسهل تداولها؛ فهي من أجل الكالم وأنبله، وأشرفه وأفضله؛ لقلة ألفاظها، وكثرة َِ َُﱢ معانيها»، ويضيف: «ومن عجائبها أنها مع إيجازها، تعمل عمل اإلطناب، ولها روعة إذا برزت في أثناء الخطاب». ِِْ ِﱡ ِْ ‪ٍَ َُ ََِّ ُّ‬ َُ غير أن في عبارة: «سارت بها الركبان»، التي وصف بها املثل، معنيني: معنى انتشار املثل، ومعنى وسيلة ذاك االنتشار. َِ َِ ُِ ُِ فالﱡركبان تعبر في األصــل عن راكبي اإلبــل، ثـم عمت داللتها الحقا على راكبي كـل دابــة. ومـن الحكايات واألمـثـال التي ‪ِْ ِّ‬ تحملها اإلبل إلى جهات الدنيا، ما هو مختﺺ بها دون غيرها، وقد جاء منها في كتاب (الحيوان) كثير، ومن ذلك املثل الذي أورده الجاحﻆ، ضمن حديثه عن الضرب الشديد: «ضربناهم ضرب غرائب اإلبـل»، ويدعم معنى املثل ببيتني من شعر أبي حية النميري، وهو من أهل البصرة، ومن مخضرمي الدولتني األموية والعباسية: جديرون يوم الروع أن يخضبوا القنا ** وأن يتركوا الكبش املدجﺞ ثاويا ٌُ ‪ََ َِ ََ‬ ضربناهم ضرب الجنابى على جبى ** غرائب تغشاه حرارًا صواديا ‪ََ َُْ ََ‬ ويروى املثل: «ضربه ضرب غرائب اإلبل»، كذا: «اضربه ضرب غريبة اإلبل»، ومثله قول الحجاج: «ألضربنكم ضرب غريبة اإلبل»، وذلك أن اإلبل إذا وردت املاء، فدخل فيها غريبة من غيرها، ضربت وطردت، حتى تخرج منها. ولم تعد اإلبل اليوم ‪ُْ ََِ‬ تفعل ذلك، ألن سبل الحياة توسعت، فصارت اإلبل تشرب من ماء خاص بها، ال تشاركها غريبة فيه. ومن األمثال التي تحيل على اإلبـل، املثل القائل: «جاءنا بـﺂبـدة»، ومنها أوابــد الـوحـش، وأوابــد األشـعـار،ِ وهي األبيات ُِ الشهيرة التي ال مثيل لها، فتنتشر بني الناس، وتصير عندهم أمثاال. واألوابد أيضا: اإلبل إذا توحش منها بعير، فلم يعد ‪ًْ َُ َْ َُ َْ َْ ََ ُْ‬ ممكنا أن يتحكم فيه. وفي (جمهرة األمثال)، ألبي هالل قولهم: «أوسعتهم سبا وأودوا باإلبل»، يضرب مثال للرجل يتهدد ‪ُِ َُ‬ عدوه، وليس على عدوه منه ضرر، واملثل لكعب بن زهير، قاله ألبيه زهير، وكان الحارث بن ورقاء الصيداوي، من بني ِْ أسيد، أغار على إبل زهير، فذهب بها وبراعيها يسار، فجعل زهير يهجوه ويتهدده، في مثل قوله: ‪ََ ََ ٌُ ّْ‬ يا حار ال أرمني منكم بداهية ** لم يلقها سوقة قبلي وال ملك َِ اردد يسارا وال تعنف عليه وال ** تمعك بعرضك إن الغادر املعك ُِ ليأتينك مني منطق قذع ** باق كما دنس القبطية الودك ‪َُ َْ َُ َِ َِ ُِ‬ ﱡَ ََّ فلما أكثر من هجائهم وهم ال يكترثون، قال له ابنه كعب: (أوسعتهم سبا وأودوا باإلبل)، ‪َِ ِْ‬ إياهم كبير ضرر عند أنفسهم، وقد أودوا بﺈبلك فأضروا بك».

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia