دبلوماسية االسترضاء
كل دولة في العالم تواجه تحديات البيئة الخارجية، التي بطبيعتها ليست مضيافة أو صديقة. بالعكس، البيئة الخارجية، في الغالب: خطرة وعدائية، تسودها الفوضى وعــدم االنضباط واالنـفـالت السلوكي، تحكمها مصالح الدول وتقلبات مواقف سياساتها الخارجية، ليس بالضرورة قيم ومؤسسات نظام دولي قائم يملك أدوات رادعة لفرض إرادته على أعضائه. خــارجــيــًا: فــي األغــلــب، تــســود قـيـم وحــركــة الــصــراع بــني الــــدول، عـلـى تبصر فوائد وعوائد التعاون والتكامل. هناك ميل، يكاد يكون غريزًا، عند الدول يدفعها لـتـتـصـرف، بخشونة إن لــم يـكـن بـعـدائـيـة، تـجـاه بعضها البعض. ليس هناك مجال لحسن النوايا، ما لم تتخذ الدولة من االحتياطات الرادعة لجعل األطــراف األخــرى تحترم مصالحها.. وتــحــاذر التعدي على حقوقها السيادية. الــقــوة، بـمـظـاهـرهـا وأشـكـالـهـا وقـيـمـهـا املــاديــة (الـعـسـكـريـة والتكنولوجية واالقــتــصــاديــة)، ليست أداة الـــردع الــوحــيــدة، لـدفـع اﻵخــريــن احــتــرام سيادة الدولة وتفهم متطلبات أمنها القومي. أحيانًا: تجنح الــدول لوسائل أكثر نعومة وأقل تكلفة، وبكفاءة وفاعلية عالية وبعائد متوقع أكبر. الدبلوماسية، هـي أكـثـر أدوات الــدولــة الناعمة، فـي رســم وتنفيذ ومتابعة سياستها الخارجية. لكن الدبلوماسية كما أن لها إيجابياتها العديدة في خدمة مصالح الدولة، في بعدها الخارجي، لها أيضًا سلبياتها، التي يجب تفاديها، خاصة في مواجهة أعداء حقيقيني وخصوم محتملني، بل وأيضًا أصدقاء، أو حتى «أشقاء»، كما يتردد كثيرًا ويكاد يكون حصريًا، في أدبيات الدبلوماسية العربية. الدبلوماسية، لتكون فعالة، في خدمة مصالح الدولة في محيطها اإلقليمي ودوائـــر حركة سياستها الخارجية املتباعدة، يجب أن ترتكز على قواعد ثابتة وصارمة، تستند أوال وأخيرًا على إمكانات ردع (ذاتية) فاعلة وقادرة، يشعر بها ويحسب لها ألف حساب األعداء الحقيقيون والخصوم املحتملون، وأيضًا: األصدقاء و«األشقاء». في املقابل: على صانعي السياسة الخارجية الحرص كل الحرص، التفرقة بني األطراف اإلقليمية والدولية، عند رسم الخطوط العريضة لسياسة دولهم الخارجية.. وتحديد مكانة الدبلوماسية، في تروس «ماكينة» آلة سياستها الخارجية، خاصة عند تقييم املخاطر الخارجية. هناك أعداء للدولة، صعب توقع تغيير جـذري في عدائهم املستحكم.. وخصوم إقليميني، ال حيلة إال احترام األسس الجيوسياسية والتاريخية، التي تتحكم في تشكيل سلوكهم. أهــــم صــــور الــدبــلــومــاســيــة الــســلــبــيــة، تــلــك الــتــي يــطــلــق عـلـيـهـا دبلوماسية االسـتـرضـاء .)Appeasement Diplomacy( قـد تتفادى الـدولـة اتـبـاع سياسة خــارجــيــة هـجـومـيـة أو شــرســة فــي «تــكــتــيــكــات» الــتــعــامــل بـحـسـاسـيـة تجاه جيرانها، باتباع دبلوماسية االسترضاء، ابتعادًا عن تصعيد توتر األوضاع، وربــمــا تــفــادي االنــجــرار لـلـحـرب. هــذا الـسـلـوك االســتــرضــائــي: قــد يــكــون من الحصافة الدبلوماسية في إدارة السياسة الخارجية. لكن، في كل األحوال: تجب مراعاة توخي الحذر في إدارة ملف السياسية الخارجية للدولة، خاصة تجاه أعدائها وخصومها اإلقليميني، بعدم املبالغة في االنسياق لهذا الشكل مـن الدبلوماسية السلبية، حتى ال تشعر تلك األطـــراف، أن اتـبـاع مثل هذه الدبلوماسية الهادئة «الرصينة»، يعكس خلال خطيرًا في إمكانات الردع لدى الدولة.. وقد يفسر على أنه ينم عن ضعف، ال عن حصافة وحنكة سياسية، ترتكز على موارد قوة رادعة حقيقية وفاعلة. قد يتطور األمر، في حال املضي في دبلوماسية االسترضاء، توالي التنازالت، لتجد مؤسسات صناعة السياسة الخارجية نفسها فـي وضــع االستجابة الالمحدودة ملطالب العدو أو الخصم، حتى لم يعد لديها ما تتنازل عنه، غير أن تبدي خضوعها، دون ما حاجة إلعالن استسالمها. هناك مثال «كالسيكي» يـرد دومــًا في أدبـيـات الدبلوماسية. موقف كـل من رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشمبرلن 1937( – )1940 وخلفه ونستون تشرشل 1940( - 1951 ،1945 – .)1955 األول: تمادى في استرضاء هتلر، بتتابع تنازالت بريطانيا العظمى، لسياسة هتلر التوسعية في أوروبا، حتى نشبت الحرب العاملية الثانية، واستيالء هتلر على كل وسط وغرب أوروبا. عـنـدمـا جـــاء تـشـرشـل لـحـكـم بـريـطـانـيـا الـعـظـمـى 10( مــايــو ،)1940 أوقف دبلوماسية االسترضاء، منتهجًا دبلوماسية هجومية شرسة. لم تمر على حكمه سـوى شهرين وتنشبت معركة بريطانيا الجوية 10( يوليو 1940 – 31 أكتوبر ،)1940 حيﺚ كانت القاذفات األملانية تقصف لندن، ليل نهار. تحدى تشرشل أطماع هتلر التوسعية، ولم ينتصر فقط في معركة بريطانيا، بـل واصــل الـقـتـال، حتى هزيمة أملانيا 7( مـايـو ،)1945 ولــم يـبـق مـن فترة حكمه، سوى ثالثة أيام فقط! دبلوماسية االســتــرضــاء، مـن أخـطـر أشـكـال الدبلوماسية السلبية، تتطلب تقديم تنازالت متتالية للعدو، ربما ينتهي األمر إلى إشعال الحروب.. ومن ثم التضحية بالسالم.
الدبلوماسية، هي أﻛثر أدوات الدولة الناعمة، في رسم وتنفيﺬ ومتابعة سياستﻬا الخارجية