التﺸﻬير بلصوص المليار
الموت غطاء ستر للنفس الظالمة لنفسها
منذ نعومة أظافرنا، واألهل واملجتمع يرددون على مسامعنا (الـقـنـاعـة كـنـز ال يـفـنـى) حـتـى إذا كـبـرنـا ووجــدنــا أن الحياة مكلفة تم تطعيمنا بمقولة (مد رجلك على حد لحافك)، وإذا كان املتحدث حكيمًا وأراد إيجاز املفردة قال لك: (من قنع شبع). ويبدو أن شبكة غسيل األمــوال التي ضبطت مــؤخــرًا لــم تــوضــع لـهـم خــرســًا عــن القناعة، أو أنــهــم لــم يــمــروا بــهــا فــي جـمـيـع مراحل حياتهم، ولم يعرفوا أو يدرسوا أي قاعدة عن الجشع، حني يكون (العبد حرًا إذا قنع والـحـر عبد إذا طـمـع) أو مقولة (مــن يطمع بـكـل شـــيء يـخـسـر كــل شــــيء)، وهـــذا التحذير االجتماعي يقال ملن أراد القفز على واقعه حتى ولو كان القفز جريمة، وتعديًا على ما ليس لك. تذكرت جزءًا من األقـوال التي تقال لكي تكون سدًا عما يمكن للمرء اقترافه من تعد، ويمكن تثوير كل قضية التعدي على مال الغير حتى لو كان التعدي ال يتجاوز املائة أو األلـف أو املـلـيـون، أمــا أن تفتح شهية (الــســرق) بـاخـتـالس مليار ريال سعودي، فهذا يؤكد أن (اللصوص) أقدموا على سرقتهم بدم بـــارد، أو أن فـكـرة التحريض (إذا ًعشقت فاعشق قـــمـــرًا، وإذا ســـرقـــت فـــاســـرق جمال)، ويـــــبـــــدو أن هـــــــذا املثل التحريضي مــأل مخيلة (الــلــصــوص)، فـقـالـوا لـنـسـرق مليار جمل (عفوًا رياال). وقبل السرقة، ألم يقنع كل منهم بالوظيفة املرموقة، والدخل الشهري الفاخر، والسلطة الوظيفية املرتفعة.. اﻵن وبــعــد كـشـف أولــئــك الــلــصــوص، لــم يـكـسـبـوا من سرقتهم سوى الخزي، والتشهير بما عملوا، والسجن املديد عقابًا لجريمتهم. بـــعـــد هـــــذا أتـــمـــنـــى أن تـــكـــون قـــصـــة هــــؤالء الــفــاســديــن درســــًا ملـــن فــي نـفـسـه شــــيء من سرقة، فلتنشغل تلك النفس بما انشغل به سيبويه حـني قــال (أمـــوت وفــي نفسي شيء من حتى)، فلكل نــاو بالسرقة عليه أن يموت وفــي نفسه شــيء مـن نـوايـا السرقة أفـضـل لـه من أن يشهر بــه، ويكتسب الـخـزي بـني أهـلـه وأصدقائه، وأن يكون لبانة في أفواه ألسنة املجتمع، فاملوت غطاء ستر للنفس الظاملة لنفسها.