Okaz

التكفير والتبديع والتضليل.. أحكاٌم شرعية ال ُتقتحم إال بالبينات القاطعة

تﻬييﺞ المﺸاعر المﺬﻫبية والنيل من الرموز وازدراء االجتﻬادات ال ُتﺼيﺐ َغَرﺿًا

-

أحمد اللحياني، أسرار الفهمي (مكة المكرمة) @amead9999

أعلن من جوار الرحاب املقدسة في مكة املكرمة، اختتام جلسات أعمال مؤتمر بناء الجسور بـني املـذاهـب اإلسـالمـي­ـة، برعاية خــادم الحرمني الشريفني وولــي العهد، الــذي نظمته رابطة العالم اإلسالمي. وجــاء فـي وثيقة املـؤتـمـر، أنــه انـطـالقـًا مـن مـبـدأ اإلســـالم الـرغـيـب الــداعــي إلــى تعزيز األخوة اإلسالمية، واستصحابًا ملضامني وثيقة مكة املكرمة التي أمضاها مفتو األمة وعلماؤها في الـ42 من رمضان 0441هـ، التقى الجمع املبارك من أهل العلم واإليمان في مؤتمر هذه الوثيقة

تجاوز مﺂسي المعترك الطائفي

وقد تنادى املجتمعون إلى تجاوز مﺂسي املعترك الطائفي بنزعته املنتحلة على هدي اإلسالم، وما صارت إليه من سبل ضالل تلقفها كل مغلوب على رشده لم يتبني سنة الله في خلقه: «اختالفًا وتنوعًا وتعددًا»، وما يلزم لذلك من تدابير الحكمة وأدب اإلسالم، فضال عن استصحاب سعة الشريعة ورحابتها، وأخوة الدين ومودِتِه، واستطالع املﺂالت واملخاطر، وفي طليعتها ما يمس معقد العز املشترك وهــو اإلســـالم، والــهــدف املشترك املتمثل فـي رعــايــة سـمـعـتـه وحراسة

َِ جنابه، مع استحضار العلم بما توالد عن ذلكم التجاوز من مواجع وفواجع، حجبت أمة اإلسالم عن دورها. واشتملت عليها هذه الوثيقة املعبرة عن إجماع تنوعهم املذهبي وفق املبادئ.

االجتهاِد محل احترام

-1 املسلمون أمة واحدة، يعبدون ربًا واحدًا، ويتلون كتابًا واحدًا، ويتبعون نبيًا واحدًا، وتجمعهم -مهما تناء ت بهم الديار- قبلة واحدة، وقد شرفهم الله تعالى باسم اإلسالم الجامع في بيان مشرق أوضح من محيا النهار، فال يستبدل غيره به، وقد اختاره الله فال محل ألي من األسماء واألوصـاف الدخيلة، التي تفرق وال تجمع، وتباعد وال تقرب، اللهم إال ما كان موضحًا للمنهج ومحفزًا على العمل اإلسالمي. -2 املسلم هو كل من شهد لله تعالى وحده بالربوبية واأللوهية، ولنبيه محمد ﷺ بالرسالة وختم النبوة، واعتصم بحبل الله. -3 رســالــة اإلســـالم ربـانـيـة فــي مـصـدرهـا، توحيدية فــي معتقدها، سامية في مقاصدها، إنسانية في قيمها، حكيمة في تشريعاتها، تحمل الخير للجميع، واملسلمون مــدعــوون إلـى املـزيـد مـن استعادة دورهــم الـحـضـاري؛ لﻺسهام في

ُُ صناعة مستقبله. -4 حقائق اإلســالم مصدرها الوحي، املتمثل في القرآن الكريم ومـا ثبت نقله عن النبي ﷺ أو أجمعت عليه األمة، وأما ما أثر من اجتهاد أهل العلم واإليمان فهو محل احترام وإجالل وإفادة، وللتعامل مع تنوعه واختالفه آداب وقواعد معلومة. -5 اإلسالم رسالة الله الخاتمة، املنزلة على نبيه محمد ﷺ، وليس ألحد مهما بلﻎ علمه وصالحه، أن يزيد في اإلسالم شيﺌًا أو ينقﺺ منه: ﴿قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إال ما يوحى إلي إني أخـاف إن عصيت ربي

ِِ عذاب يوم عظيم﴾.

تع ُّدد المذاهب ُي ْح َسب في جملة السنن الكونية

-6 تحقيق مقاصد التشريع فـي حفظ الـضـروريـ­ات الخمس؛ فــ«الـديـن مرتكز الهوية اإلسالمية ومحورها»، و«حرمة النفس تعني: الكرامة، واألمن، والحياة»، و«رعاية العقل تحفظ توازن املجتمع من اإلفراط والتفريط، أو الخروج به عن جادة الحكمة والرشد، أو االنسياق في مزالق الخطل والسفه»، و«حماية العرض صيانة لقيم املجتمع، والسيما حفظ حرمة أفراده، وسالمة جماعته»، و«حفظ املـال مشتمل على حراسته من االعـتـداء، وصيانته من التعدي والفساد»، وإذ تعددت الدول الوطنية في الزمن املعاصر فثمة ضرورية وهي: «حفظ الوطن، وذلك منُ أي مساس بهويته، أو أمنه، ُأو مكتسباته، أو عموم مصالحه». -7 تكوين شخصية االعتدال مسؤولية العلماء الربانيني والفقهاء الراسخني في أفرادهم ومنظومة مؤسساتهم، والسيما من تضطلع بإيضاح حقائق اإلسالم، وإبــــراز مـحـاسـنـه فــي فــطــرتــ­ه ومــكــارم­ــه وسـمـاحـتـ­ه، وكــذلــك تصحيح املفاهيم املغلوطة حوله. -8 تعدد املذاهب والرؤى بني املسلمني يحسب في جملة السنن الكونية القدرية التي قضت بحتمية االختالف والتنوع لحكمة أرادهـا الخالق جل وعال، وهو -فــي مجمله- يــعــود إلــى عــوامــل منهجية، تتعلق بــأســس منطلقات املدارس اإلسالمية، وإلى متغيرات تتصل بظروف مكانية وزمانية وعرفية، وال بد من استيعاب تلك السنة والتعامل معها بوعي وحكمة، وفي طليعة ذلك الحذر من أسباب الفرقة والشتات؛ فإن ما يجمع أتباع املذاهب اإلسالمية أكبر مما يفرقهم، والسيما الشهادتني والعمل بمقتضاهما.

ال ُيقبل شرعًا وال َمنطقًا استدعاُء وقائَع مضت وسجاالت خلت املــذاهــ­باإلسالمية­تشكلت املسلمنتيج­ةمنطلقمنهج­ي، من مختلف املذاهب واملكونات اإلسالمية، في رحاب قبلتهم الجامعة بجوار بيت الله الحرام، تحت رايــة اإلســـالم، رسـالـة الرحمة والـعـدل والــســال­م، وديــن السماحة والوسطية واالعتدال، معبرين عن اعتزازهم بدينهم شرعة ومنهاجًا، وإيمانهم بالله. اجتمعوا ملبني نداء التوافق والــوحــد­ة، مدركني واجــب الوقت في التذكير بمفهوم األمــة الـواحـدة، وأنهم اليوم أحــوج ما يكونون إلـى رص صفوفهم، وانسجام أمرهم على مشتركاتهم الجامعة التي تلم شعثهم، وتوحد شتاتهم، وتؤلف قلوبهم، وتجمع اختالف مذاهبهم وطوائفهم حول أصول اإلسالم وكلياته، وثوابت أحكامه وتشريعاته، التي بها ينتظم كيانهم، وتصان حقوقهم، وتحفظ كرامتهم؛ لتتجاوز األمة براسخ وعيها، وعلو همتها ما يفرق جمعها، ويذهب ريحها؛ سمعًا وطاعة ألمر ربها -جل وعال-، مستوعبني أن املالذ -بعون الله- في تحقيق أخوتهم اإلسالمية، هو الـوعـي التام بــأدب االخـتـالف وحسن الـوصـال، مع الحذر والتصدي ملخاطر التصنيف واإلقصاء، وسلبيات التجريح واإلسقاط، ورفـض مجازفات التضليل والتكفير، وما أفضت إليه من شتات وفرقة وعداوات وفساد كبير.

وحـراك علمي، مستند -في اتفاقه واختالفه- إبقاء املذاهب ضمن وقائع نشأتها على قاعدة اإلسـالم وهديه الكريم دون تعطيل ألدوارهــا اإليجابية، وال تحريٍف لصحيح مسارها، أو سوء ظن بأصحابها، أو نفخ في اختالفها. -10 الوحدة الدينية والثقافية للمسلمني واجب ديني متأصل ويستوجب تعزيز املشترك اإلسالمي الـذي يؤسس لتلك الوحدة في عنوانها العريض وقضاياها الكبرى. -11 املــســلـ­ـمــون بـمـخـتـلـ­ف مـكـونـاتـ­هـم شـــركـــا­ء فــي صــنــاعــ­ة حــضــارتـ­ـهــم الرائدة، ومـواجـهـة تحدياتهم الـحـاضـرة، متطلعني معًا إلــى مستقبل واعــد مفعم بروح

ٍُ األخـــوة والـتـﺂلـف، تقضي فيه املشتركات الجامعة على أسـبـاب الـفـرقـة والنزاع، وتسمو فيه قيمهم العالية لتحقيق التفاهم والتعايش والتعاون. -12 أحداث التاريخ ووقائعه دروس وعبر تلهم األجيال املتالحقة، فيستنسخون مفيد التجارب، ويجتنبون أخطاءها، وال يقبل شرعًا وال منطقًا استدعاء وقائع مضت، وسجاالت خلت. -13 املشتركات اإلسالمية مبادئ راسخة تجمع في رحابها الواسعة تنوع األمة،

ُْ وتتجلى بـهـا مـقـومـات الـــوحـــ­دة، ومــشــاعـ­ـر األلــفــة واملــســؤ­ولــيــة املـشـتـرك­ـة، لتزرع بوعيها الداخلي مناعة ذاتية تواجه بها مخاطر التعصبات املذهبية والنعرات الطائفية. -14 انــتــظــ­ام ملتقيات الــحــوار الــفــاعـ­ـل واملــثــم­ــر بــني املــذاهــ­ب اإلســالمـ­ـيــة لتعزيز رابطتهم األخوية، ضرورة ملحة يجب االضطالع بمسؤوليتها. -15 الشعارات الطائفية والحزبية بممارساتها املثيرة للصدام والصراع املذهبي في طليعة نكبات األمة، في امتداد تاريخي مؤلم شهد -بني مد وجزر- إشعال فتيل الغلو الطائفي وإثارة الفﱳ. -16 الحكم باإلسالم مستحق يقينًا لكل من نطق بالشهادتني وعمل بمقتضاهما معتقدًا بأصول اإلسالم، وال يجوز االجتراء على تكفيره إال بدليل يقيني مكافﺊ. -17 التكفير والتبديع والتضليل أحكام شرعية ال تقتحم إال بالبينات القاطعة، وإال كانت التبعات واملهالك؛ لذا ال يجوز لعوام املسلمني، أو طالب العلم إطالقها على مخالفيهم. -18 التعاون بني املجتمعات اإلسالمية بمختلف تنوعها، ركن مهم في تحقيق التكامل املنشود، وكسب املزيد من القوة الحضورية لﻸمة املسلمة.

التوﻇيف السلبي لوسائل اﻹعالم يصّعد الخالفات ويثير العداوات

داخــل املجتمع

-19 املسلمون مجمعون على دعــم القضايا الـعـادلـة على املستويني اإلسالمي والـــدولـ­ــي، ويــبــارك­ــون صــمــود الـشـعـب الفلسطيني فــي مــواجــهـ­ـة جــرائــم اإلبادة الجماعية. -20 الهوية اإلسالمية تمثل اعتقاد كل مسلم، مما يتعني معه حماية مكوناتها في

ُِّ الدول غير اإلسالمية، والسيما السعي بالسبل السلمية لالعتراف بحقوقها، كما على حملة الشريعة من أهل العلم واإليمان تبصير تلك املكونات بأهمية تعايشها األمثل في دولها الوطنية. -21 األسرة هي نواة املجتمع، وأهم محاضن التربية والتهذيب، ومن ذلك تعزيز األخوة بني التنوع اإلسالمي، واإلرشاد إلى قيم تفاهمه وتﺂلفه وتعاونه. -22 كفاء ة التعليم تعزز أسس البناء األسري، وتسهم بدور كبير في صياغة عقول النشء وتهذيبهم التربوي. -23 للمرأة فـي إطـارهـا الشرعي إسـهـام ملموس فـي تحقيق التطلعات لخيرية األمــة، التي تتغياها هـذه الوثيقة، ويتجلى ذلـك في العناية بتأسيس املحضن األول للنشء، لكونها نواة املجتمع، وأهم محاضن التربية والتهذيب. -24 الخطاب اإلسالمي اإلعالمي، يهدف إلى تعزيز األخوة والتعاون بني التنوع اإلسالمي، ونشر الوعي بذلك وتصحيح املفاهيم املغلوطة في الداخل اإلسالمي، مع التصدي للحمالت واملفاهيم املسيﺌة لﻺسالم. -25 التوظيف السلبي لوسائل اإلعـــالم التقليدية والـجـديـد­ة يصعد الخالفات ويثير العداوات في الداخل اإلسالمي، وحري بالرسالة اإلعالمية أن تعتمد الكلمة الطيبة، والحوار الهادف الذي يؤلف ويقرب، وفق قيم األخوة اإلسالمية، وتبادل النصح الصادق دون مزايدة، وال استعالء، وال تعنيف، وال تشهير. -26 التحذير من الفﱳ، وتفادي أسبابها، والتصدي للمحرضني عليها واملروجني لها، والتنديد بإثارتها بني أبناء الوطن الواحد. -27 الـتـنـابـ­ز بــني املـسـلـمـ­ني، وتهييج مـشـاعـرهـ­م املـذهـبـي­ـة، والـنـيـل مــن رموزهم، وازدراء اجتهاداتهم ال يصيب غرضًا، وال ينكأ عدوًا، وإنما هو من االسم الفسوق العائد عليهم بالسوء في أفرادهم ومذاهبهم. -28 إقامة مؤتمر سنوي يجدد رؤية هذا اللقاء ورسالته وأهدافه وقيمه، معززًا العمل بمضامني هــذه الـوثـيـقـ­ة، وحــامــال تـراتـيـب عـقـده ليكون فـي الـعـام التالي بعنوان: «املؤتمر الثاني لبناء الجسور بني املذاهب اإلسالمية». ويـتـعـهـد حــضــور هـــذا املــؤتــم­ــر بــالــوفـ­ـاء بـمـضـامـن­ي هـــذه الــوثــيـ­ـقــة، والــعــمـ­ـل على ترسيخها في مجامعهم العلمية، ومجتمعاتهم الوطنية، بما ال يخل باألنظمة.

 ?? ?? العيسى يلقي كلمته خالل افتتاح جلسات أعمال مؤتمر بناء الجسور بين المذاهب اﻹسالمية. (واس)
العيسى يلقي كلمته خالل افتتاح جلسات أعمال مؤتمر بناء الجسور بين المذاهب اﻹسالمية. (واس)
 ?? ?? محمد العيسى
محمد العيسى

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia