األمم الُممتحِنة
أسس دهاة السياسة )عصبة األمم( بعد الحرب العاملية األولى بأربعة أعـــوام؛ لحل األزمـــات، وقطع الـنـزاعـات بطرق سلمية متحضرة، على أساس من احترام القانون، وتعهد الجميع بالخضوع لحكمها، وتعطل عملها ٦ أعوام بسبب الحرب العاملية الثانية، ثم في مؤتمر طهران عام ٣٤٩١، اقترحوا منظمة أكثر فاعلية، فكانت )األمم املتحدة(، وفي عام ٦٤٩١ تم اختيار نيويورك مقرًا دائمًا لﻸمم املتحدة بديال لجنيف. وتعهد نظامها األســاســي بـﺈنـقـاذ األجــيــال املقبلة مــن ويــالت الحرب التي خــالل جيل واحــد جلبت على اإلنسانية )مـرتــني( أحـزانـًا يعجز عنها الوصف، وأكد النظام على اإليمان بالحقوق األساسية لﻺنسان، وبكرامة الفرد، وبما للرجال والنساء، واألمم كبيرها وصغيرها؛ من حقوق متساوية، وتحقيق العدالة، واحـتـرام االلـتـزامـات الناشئة عن املعاهدات، من مصادر القانون الدولي، وأن تدفع بالرقي االجتماعي قدمًا، وأن ترفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسﺢ. فـــرح الــعــالــم بــتــوجــه األمــــم املــتــحــدة إلقــامــة الـــعـــدل، ونــصــرة املظلوم، والـتـصـدي للظالم، ورد البغي والـــعـــدوان، ولعلها انشغلت بالظلم، وغــضــت الــطــرف عــن الـــعـــدوان، وتـشـاغـلـت بـحـقـوق اإلنـــســـان، وأغفلت موضوع الظلم، واألمور نسبية، خصوصًا عندما يتعلق األمر بالقضية الفلسطينية، فالحكم حينها )الفيتو( حق النقﺾ، الـذي يطلق عليه أحد القرويني )الفيمتو(. وألن ثعالب الساسة معنيون بـﺈثـارة اإلشــكــاالت وتهدئتها، وإشعال فتيل األزمـــات وإخـمـادهـا، وتحقيق مصالﺢ فئة وجـهـة على حساب أخـــرى، ومـداهـنـة طــرف بالضرب عــرض الحائط بحقوق طــرف، فـالـتـصـور الـذهـنـي مــع الــوقــت تغير لتصبﺢ املــنــظــمــة الــــدولــــيــــة )صــــــــدى( لـــلـــصـــوت األقـــــــوى، لكنها ﻇــلــت مـعـنـيـة بـامـتـحـان وفـتـنـة الــــدول، وتــخــتــار دومــــًا )أمــيــنــًا( هـــادئـــًا المتصاص غضب الشعوب، بالقلق والتنديد والتهديد والتشديد واإلدانة سوى إلسرائيل. وبـمـا أن بـعـﺾ املــشــاريــع لـهـا عـــدوى، وكما جــــرت الــــعــــادة فـــي الــتــقــلــيــد واملـــحـــاكـــاة، فﺈن شياطني املجتمعات، بحكم الغيرة، استحبوا تـقـلـيـد األمــــم املــتــحــدة فــأســســوا »أمــــم ممتحنة« بـــصـــورة عــفــويــة، لــرصــد الـــنـــاس، واشــتــغــالــهــم، دون حاجة ملجلس أمــن، وال محكمة عــدل، وال منظمة عمل، وال )يونيفيل(. نــشــاط فـــردي يــومــي قــصــده وغــايــتــه )مـصـلـحـتـك( بتعقبك باهتمام، واستفزاز انفعاالتك بالترقب والتساؤالت، ومهما بلغت سلبية األمم املتحدة التي هي أحيانًا بالغة الضرر، ومهما اشتكت من ضررها دول وأمم، وماليني األوادم، فﺈنه لن يصل ملستوى الضرر الذي تلحقه األمم املمتحنة بالغالبة. يـمـكـن مــســاءلــة ومــحــاكــمــة األمــــم املــتــحــدة، وال يـمـكـن مـحـاكـمـة األمم املــمــتــحــنــة، فـتـلـك حـسـابـهـا عـلـى الــــدول الــعــلــيــا، وهــــذه حـسـابـهـا على القدير األعلى، وتلك تفرض على الــدول حظرًا، وهــؤالء يتسللون إلى خصوصيتك جبرًا، وموﻇفو األمم املتحدة رسميون وملتزمون بدوام، فيما أعـضـاء األمــم املمتحنة متفرغون، بـل لديهم قــدرة على التفرغ، والفضاوة، وبعضهم يردد )أفضى لك ولو كان عندي عشرين شغلة(. لﻸمم املمتحنة نشاط ليلي وآخر نهاري، وفريق رجالي، وآخر نسائي، ولـهـم مــعــاونــون ومــســاعــدون ينبشون تــاريــخــك، ويـفـتـشـون أرشيفك، اللـتـقـاط مــا يمكن إدانــتــك بــه، أو اإلســــاءة لسمعتك، أو سلبك نعمة، أو حرمانك مـن حــق، وشيطنتك ولــو كنت مالئكة، وهــم دومــًا حولك، وحواليك إما بأعيانهم، وإما بأعوانهم. األمم املمتحنة ليست في نيويورك وال بروكسل، وال الهاي، وال جنيف بل معك وقريبة منك حد شعورك، إنه لم يتبق عليها إال أنها تتشمشم مالبسك، وتلحس زفرة كفك، وتفتﺶ واتساب جوالك، وتقرأ مالمحك،
ﻟﻸﻣﻢ اﻟ ُﻤﻤﺘ ِﺤﻨﺔ أﺳﺎﻟﻴﺐ، ﻓﻬﻲ ﺗﻔﺎﺟﺌﻚ ﺑﺴﺆال، وإن أﺑﻴﺖ ﺗﺠﺎوب ﺗﺮوي ﻟﻚ حﻜﺎﻳﺔ ﻟﺘﻘﻊ ﺑﺮﺟلﻚ ﻓﻲ ﻓﺦ ﻛﺸﻒ اﻷوراق
اﻧﺸﻐلﺖ ﺑﺎﻟﻈلﻢ وﻏﻀﺖ اﻟﻄﺮف ﻋﻦ اﻟﻌﺪوان وﺗﺸﺎﻏلﺖ ﺑﺤﻘوق اﻹﻧﺴﺎن
وتحلل بؤبؤ عينيك، ﻇنًا منهم أنـك متيم ومـغـرم )والـصـب تفضحه عيونه( واملتنبي كان مفضوحًا، ومكشوف النوايا عند سيف الدولة، وعند كـافـور، علمًا بأنه لـم يكن )نسونجي(، لــذا اكتشف ذلــك وحمل عينيه مسؤولية فضحه )وإذا خامر الهوى قلُب صـﱢب، فعليه من كل عــني دلــيــل( وغــرامــه ليس بــاألعــني الــدعــﺞ، وإنــمــا بـالـجـاه، الـــذي يرفع مقامه الواطﺊ شعبيًا ملستوى مقامه الثقافي واألدبــي، أليس هو من قال )أريد من زمني ذا أن يبلغني، ما ليس يبلغه من نفسه الزمن(. لــﻸمــم املـمـتـِحـنـة أســالــيــب، فـهـي تـفـاجـئـك بــســؤال، وإن أبــيــت تجاوب )تحفظًا وحصافة( تــروي لك حكاية لتدغدغ مشاعرك، وتقع برجلك في فﺦ كشف األوراق، وكم يسعدها أن تصيد عليك مالحظة أو مأخذا، فتتوسع فـي نقلها، بعد تبهيرها و تنكيهها بما يـلـزم مـن بهارات ونكهات امتحان الخلق. بعضهم يركز على نقاط الضعف، يبدأ من نقد، كرشك ألنه زاد، وألن عنده )دكان رقية( يقسم لك أنها )عني( أو سحر أسود، تسأله ليﺶ الجن والـسـحـرة ينفخون بطني؟ فيجيب: لتصبﺢ عـاجـزًا جنسيًا! فتقول: طيب ولو استمريت فحال ما هي اإلنجازات املنتظرة التي لم يحققها أحـد قبلي، والعبد الفقير لله سيحققها؟ فيمد لك ببطاقة فيها رقم جواله ومواعيد الرقية، وأسعار الزيت واملاء املمصوق فيهما!. وبعضهم يفتﺢ معك املوضوع بمالحظات على متغيرات الشكل، ما أسرع الشيب جاك؟ كم عمرك؟ والله ما أنت كبير، تصدق إنك تشبه أمك، وأخـتـك تشبه أبــوك، وفــي داخـلـك تقول )ال تخليني أخــرج عـن طوري وأنعل لك( أستغفر الله العظيم، اللهم إني صائم. وفـــــي شــهــر رمــــضــــان يـــدخـــلـــون لــفــمــك، ويتفقدون براطمك، شكلك شارب توت، وإال سوبيا معتقة، شــفــايــفــك حــــمــــر! ولـــيـــﺶ أســـنـــانـــك مصفرة!؛ أســنــانــك طــبــيــعــيــة وإال تــركــيــب، بانصحك بـــعـــيـــادة لــلــتــبــيــيــﺾ، فـــتـــقـــول لــــه مــــا أبغى أبيﺾ!؛ فينتقل لنوع الصبغة اللي صبغت بها لحيتك، ويصعد لفوق، غريبة صلعت مع أن أبوك ما كان أصلع؛ فتنظر للسماء يا لطيف لطفك يارب. والحسود منهم ينطلق من ضعافة وشفقة عليك تقاعدت وإال بـاقـي؟ كـم راتــب تـقـاعـدك؟ وكــم أعطوك حقوق؟ ليﺶ كم خدمتك؟ ضموا لك التأمينات مع التقاعد؟ كـأن وزنـك نـزل )حمية وإال ضربك السكر؟( سيارتك حلوة، كـاش وإال تقسيط؟ صيني وإال ياباني؟ عساك اكتتبت في شركة (…) أرباحها وقت طرحها بتكون مضاعفة دبل، عساك زوجت ولدك؟ يقولون بنتك تطلقت؟. وبعضهم استثماري شهواني، أكيد معك أرض، خذ لك قرض واعمرها، العمار مع الوقت يغلى، سوها دوبلكس، سكن وإيجار، وخـل امللحق فـاضـي، كمن تلقى لـك زوجــة مسيار، ثـم يالحقك النشاط األمـمـي إلى غـرفـة نـومـك، وإلــى سـريـر الـزوجـيـة؛ متى تـنـام؟ على جنبك وإال على بطنك؟ تشخر؟. بالطبع من الفرق املمتحنة نمام، فيرمي لك البياض، ليعرف مويتك، ويـنـقـل عـنـك مــا قلته ويــفــســره، وبعضهم مـغـتـاب، يبني عـلـى كالمك وتصرفاتك تصورات، ثم تصبﺢ اتهامات، وانتهاكات لعرضك. يعني الله الصائمني، في نهارهم تطاردهم قوافل األمم املمتحنة، وفي الليل تالحقهم القنوات بأخبار األمم املتحدة. الله يتوب على األمم املمتحنة، وعلى كاتب هذه السطور، كوني اغتبت الناس في نهار رمضان، فاستغفرت وتبرأت، ودعوت الله أن يبصرني بعيوب نفسي، ويعينني على معالجتها، ويعافيني مما ابتلى به َِ َِ ََِ
ًُ ُُ َُ غيري، وتذكرت قول الحق تبارك وتعالى )يا أيها الذين آمنوا عليكم
َِ أنفسكم ال يـضـركـم مـن ضــل إذا اهـتـديـتـم إلــى الـلـه مـرجـعـكـم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون(. صدق الله العظيم.