نواكشوط.. الحلﻘة األخيرة في توازن االتحاد المغاربي
تشهد منطقة االتحاد املغاربي تحركات سياسية غير مسبوقة، وأمنية غير معلنة، في ﻇل إعــادة ترتيب األوراق والتحوالت الحاصلة عامليًا وإقليميًا، والسباق باتجاه العمق األفريقي بعد الخروج الفرنسي من هناك. دون شك فﺈن فرنسا لن تسلم بهذه الهزيمة التاريخية وستعمل جاهدة على إبقاء املنطقة بالكامل في حالة اشتعال كبير، تسخر فيها جميع أوراقها في الدول التي خرجت منها أو التي تربطها معها عالقة حالية، والـتـي لـم تتخلﺺ بعد مـن مفهوم االستعمار والوصاية. أحـد أبـرز عناوين املنطقة، هي الخالفات بني املغرب والـــجـــزائـــر وهــــي ذاتـــهـــا الــقــائــمــة مــنــذ ســـنـــوات، غير أن بـعـﺾ املـسـتـجـدات الـراهـنـة تـهـم مـوريـتـانـيـا التي تـــرى فــي وجـــودهـــا ضــمــن االتـــحـــاد املــغــاربــي حماية لـهـويـتـهـا الــعــربــيــة، فــي ﻇــل اضــطــرابــات تـخـشـاهـا في محيطها اإلقليمي جنوبًا وشرقًا في عالقاتها مع دول غرب أفريقيا وشماال في عالقات الجوار املغاربي، خاصة أن ناتجها املحلي يناهز ٥١٧,٩ مليار دوالر، ما يحتم عليها الكثير من التأني في قراراتها. في املشهد الراهن تبرز العديد من األسئلة بشأن الـدور الذي يمكن أن تلعبه موريتانيا في منطقة االتحاد املغاربي في ﻇل أزمة ليبيا والوضع التونسي، واتجاه األنظار صوب نواكشوط لعوامل عدة، يمكن معها لعب الدور األبرز فـي الحفاظ على تـــوازن املنطقة، بحيث ال تـذهـب ألبـعـد مما هـي عليه اﻵن، وهــو مــا يمكن قــراءتــه بشكل أوضـــﺢ مــن مـوقـف الـرئـيـس املـوريـتـانـي محمد ولــد الــغــزاوي، الــذي اخـتـار منطقة الحياد مـن التكتل الــذي يضم ثــالث دول مــن أعــضــاء االتــحــاد املــغــاربــي هــي الــجــزائــر وتونس وليبيا، الذي تشكل خالل قمة منتدى الدول املصدرة للغاز األخيرة في الجزائر مطلع مارس ٤٢٠٢، والذي يظل محل ترقب بشأن الخطوات الالحقة التي تترتب على الـلـقـاء املـرتـقـب فـي تونس عقب عيد الفطر. تــــــاريــــــخــــــيــــــًا فــــــــــــﺈن الــــــعــــــالقــــــات املوريتانية مع كل من الدولتني مرت بتقلبات وقطيعة مع كل مـنـهـمـا فــي فــتــرات مختلفة، وﻇـلـت محل تـرقـب ونـقـد من كـــل مـنـهـمـا فـــي عــالقــتــهــا مع اﻵخــر، واتهامات غير رسمية فــي بــعــﺾ األحـــيـــان باالنحياز لهذا أو ذاك، لكن نواكشوط تمسكت بالحد األدنــى ربما الــذي يحافﻆ على عالقتها بجميع دول االتحاد ربما لحسابات مستقبلية، نظرًا لضعف اقتصادها وعـدم قدرتها ربما على تحمل فاتورة االصطفاف، أو رغبة منها في استقرار إقليمي أكبر، في ﻇل التوترات املستمرة على الحدود األخرى، جميعها عوامل لها مؤشراتها ومنطقيتها. ﻇلت موريتانيا طيلة عـقـود على هـامـﺶ األحــــداث، فيما تحمل األوضاع الراهنة مؤشرات على دور متنام لهذا البلد، استنادًا إلى الثروات املكتشفة واملوقع الجغرافي الذي يكسبها ميزة مع التحوالت الحاصلة إقليميا. في مذكرات الرئيس الراحل مختار ولد داداه بعنوان »مــوريــتــانــيــا فـــي مــواجــهــة الـــعـــواصـــف واألمــــــــواج«، تحدث تفصيال عن الوساطة بني القيادتني املغربية والـــجـــزائـــريـــة، وكــيــف تــحــولــت عـــالقـــات بالده الــــــحــــــذرة واملــــــتــــــوازنــــــة مـــــع الجارتني الكبيرتني في منتصف السبعينات إلــــى عــالقــة تــحــالــف مـــع املغرب ثـم حالة عــداء مـع الـجـزائـر، ثم عادت مرة أخرى وتوترت في العام ٥١٠٢، بعد تبادل طرد دبــلــومــاســيــني، لـكـنـهـا عادت فـي الـوقـت الــراهــن ملستويات متقدمة مع الجزائر من بوابة االقتصاد. بـالـنـظـر لـلـعـالقـات االقتصادية بـــــني مـــوريـــتـــانـــيـــا ودول االتــــحــــاد املـغـاربـي فهي مـتـواضـعـة، إذ تناهز ٤١٤ مليون دوالر مع الجزائر، وأكثر من ٠٠٣ مليون دوالر مع املغرب، أما مع تونس فهي أقل من ٠٠١ مليون دوالر، فيما يراوح حجم التبادل بني موريتانيا وليبيا نحو ٠٥٤ ألف دوالر، وفق مصرف ليبيا املركزي. وتــمــتــلــك مــوريــتــانــيــا ثــــــروة ســمــكــيــة هــائــلــة تـــقـــدر طـــاقـــة تصديرها السنوية بــ٨٫١ مليون طن، وفق أحـدث اإلحصائيات في وكالة »ترقية االستثمارات« في نواكشوط، لم تتجاوز نسبة التصدير ٢٫١ مليون طن، كما تتوفر على احتياطات تقدر بـ٠٠٤ مليون برميل من النفط، و٠٠١ تريليون قدم مكعب من الغاز، فضال عن استراتيجيتها في مجال الطاقة وإنتاج الغاز املسال وكذلك إنتاج الهيدروجني األخضر، وسعيها لتكون ضمن الالعبني في املنطقة، خاصة بعد انضمامها ملنتدى الدول املصدرة للغاز. فــي املـجـمـل فـــﺈن الـتـمـوقـع الـــذي اخــتــارتــه موريتانيا لنفسها مـنـذ ســنــوات وحـفـاﻇـهـا عـلـى عــالقــات مع الــــــدول املــغــاربــيــة يــؤهــلــهــا لــالســتــفــادة مـــن هذه العالقات عبر الثروات الجديدة املكتشفة، وكذلك مـن االستثمارات التي قـد تحظى بها فـي قطاع الطاقة، في ﻇل موقعها الجغرافي الذي يجعلها بـــوابـــة نــحــو دول غــــرب أفــريــقــيــا، ولـــعـــب الــــدور اإليجابي لعدم انهيار االتحاد بشكل كامل وفتﺢ الـبـاب لسيناريوهات وتـدخـالت أجنبية أكبر مما هي عليه قد تشعل املنطقة. في اإلطــار ال يمكن تجاهل ما أعلنه الرئيس املوريتاني محمد ولد الشيﺦ الغزواني في ديسمبر ١٢٠٢، حيث أكد رغبة نواكشوط في تعزيز »اللحمة املغاربية«، وهو ما قـرأه بعﺾ الخبراء على أنـه رسالة غير مباشرة من أجـل التوسط بني البلدين املغاربيني في ما يتعلق بالقضايا الخالفية، األمر الذي يؤكد تموقع موريتانيا بما يحافﻆ على توازن املنطقة في محاولة إلعادة العمل التحاد املغرب العربي، الذي يمكن أن يكون أكثر فاعلية بانضمام دولة جديدة بحجم مصر، وما يمكن أن تقوم به في إطار االستقرار باملنطقة.
ﻳﻤﻜﻦ ﻣﻌﻬﺎ ﻟﻌﺐ اﻟﺪور اﻷﺑﺮز ﻓﻲ اﻟﺤﻔﺎظ ﻋلﻰ ﺗوازن اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ
ﺗﺤﻤﻞ اﻷوﺿﺎع اﻟﺮاﻫﻨﺔ ﻣﺆﺷﺮات ﻋلﻰ دور ﻣﺘﻨﺎم ﻟﻬﺬا اﻟﺒلﺪ