Okaz

رد المسيﺢ علﻰ سﺆال الخالفة الدينية

بشرى فيصل السباعي

- Bushra.sbe@gmail.com كاتبة سعودية

ربـــمـــا ال يـــعـــرف كــثــيــر­ون أن مــعــضــل­ــة الجماعات الدينية الـتـي تسعى إلقـامـة خـالفـة عاملية لـم تبدأ بـالـجـمـا­عـات اإلســالمـ­ـيــة، فــأقــدم جــمــاعــ­ات مارست جميع ما مارسته الجماعات اإلسالمية من إرهاب باسم إقامة الخالفة كانت الجماعات اليهودية التي أيــضــا رفــعــت شــعــار الـحـاكـمـ­يـة لـلـه وإقــامــة خالفة عـاملـيـة وتكفير وقـتـل كــل مــن لـيـس مــن جماعتهم، رغـم أنهم على دينهم كجماعة Sicarii »سيكاري« اليهودية، وكانت ردات أفعال السلطات الرومانية على عملياتهم وثوراتهم سبب تدمير معبد الهيكل والقدس واضطهاد اليهود بعد أن كانوا يتمتعون بحقوق كاملة، والسبب الرئيسي لتكذيب اليهود للمسيﺢ يكمن بــرده على انتظارهم إقـامـة املسيﺢ خــالفــة عـاملـيـة تـحـكـم الــعــالـ­ـم »االنجيل/ لــوقــا ٧١: ٠٢-١٢«، »وملا سأله الفريسيون: متى يأتي ملكوت الله/الخالفة؟ أجابهم وقـــال: ال يـأتـي ملكوت الله بالترقب، وال يقولون: هوذا ههنا، أو: هوذا هناك، ألن مــلــكــو­ت الــلــه داخـــلـــ­كـــم«. فــاملــسـ­ـيــﺢ قـــال لــهــم إن الخالفة الدينية تكون داخل اإلنسان وليست جماعة تظهر هنا أو هـنـاك لتشكل سلطة عـاملـيـة، ويؤمن اليهود أن الله حكم عليهم بالنفي من فلسطني وأن ال يقيموا دولــة حتى يظهر املسيﺢ ويقيمها ربما عقوبة لهم على هوسهم بتسييس الدين، واﻵية عن مبدأ الخالفة )وإذ قال ربك للمالئكة إني جاعل في األرض خليفة( ذكرته بمفهوم دور الرعاية لﻸرض ومــا فيها مـن مخلوقات وليست كسلطة سياسية عسكرية تـفـرض هيمنتها بـالـعـنـف، والزالــــ­ت ردة فعل الجماعات اإلرهابية على هذا املفهوم للخالفة هـــو الــتــكــ­فــيــر والـــقـــ­تـــل كــمــا كـــــان حـــــال الجماعات اإلرهابية اليهودية، والفارق بني املفهومني للخالفة الدينية يمثل الفارق بني الخير والشر؛ ألن مفهوم الخالفة كسلطة عاملية حربية يعني اقتراف جرائم قــتــل جــمــاعــ­يــة لــلــشــع­ــوب عــبــر اإلرهـــــ­ـاب والحروب إلخضاعهم لسلطة أجنبية وهذا يجعل القائمني به سفاحون ومجرمون وأشرار كالدواعﺶ الذين صار مسمى جماعتهم بمثابة سبة هناك من رفع قضايا باملحاكم ضد من رمـاه بها، بينما مفهوم الخالفة كـتـكـلـيـ­ف فـــــردي بــرعــايـ­ـة الــخــلــ­ق تــجــعــل لﻺنسان حس الرسالة بمسلكه الخاص والعام الذي يهدف إلــى نفع وإفـــادة الخلق جميعا وليس فقط البشر وهــذا يجعل القائمني بـه تجسدا ملفهوم الخيرية واإلحسان، بالحديث »رجعنا من الجهاد األصغر، إلى الجهاد األكبر، قالوا: وما الجهاد األكبر؟ قال: جـهـاد الـقـلـب« البيهقي. »أال أخـبـركـم بـاملـؤمـن: من أمــنــه الــنــاس عـلـى أمــوالــه­ــم وأنـفـسـهـ­م، واملـسـلـم من سلم الـنـاس مـن لسانه ويـــده، واملـجـاهـ­د مـن جاهد نفسه في طاعة الله« ابـن حبان. ويمكن تصور كم كــان واقــع املسلمني سيكون مختلفا لـو أن الشائع بـاألدبـيـ­ات الدينية كــان مفهوم الـخـالفـة والجهاد الـداخـلـي الــذي يجعل اإلنـسـان يسلك طريق تزكية وترقية وتطوير الـــذات وتكريسها على املثاليات الــعــلــ­يــا واإلحـــــ­ســـــان ونـــفـــع الـــخـــل­ـــق، بـــــدل املنظور الـسـيـاسـ­ي الـسـلـطـو­ي الــحــربـ­ـي لـلـخـالفـ­ة والجهاد، فمقابل البرجني اللذين دمرتهما عملية القاعدة في أمريكا في ١١ سبتمبر، تم تدمير واحتالل بلدين مـسـلـمـني، ومــقــابـ­ـل عـمـلـيـات الـجـمـاعـ­ات اإلسالمية اإلرهـــاب­ـــيـــة خــــالل الــعــقــ­ديــن األخـــيــ­ـريـــن تـــم تدمير مــدن بكاملها كـانـت تتمركز فيها تلك الجماعات كاملوصل والرقة وكذلك مقابل عمليات الجماعات فــي فلسطني تــم تـدمـيـر املـــدن الفلسطينية وإبادة عــشــرات آالف املــدنــي­ــني واألطـــفـ­ــال وإضــعــاف­ــهــم من املشوهني واملعوقني واملعتقلني الـذيـن يتعرضون لـلـتـعـذي­ـب تـمـامـا كـمـا فـعـلـت الـسـلـطـا­ت الرومانية بـــالـــي­ـــهـــود عـــنـــدم­ـــا قـــامـــت الـــجـــم­ـــاعـــات اليهودية بعمليات ضدها، متى سيستوعب املتحمسون أن رميهم حجرا على عﺶ الدبابير لن يؤذي الدبابير إنما سيثيرهم على مهاجمة األبرياء، ومن رماهم مسؤول عن نتائﺞ ردة الفعل االنتقامية؛ فهم كانوا يعرفون أنـه ستكون هناك ردة فعل انتقامية ضد املدنيني الفلسطينين­ي وأنه ال يمكن حتى استصدار قـــــرار مـــن األمـــــم املــتــحـ­ـدة يـــدعـــو لـــوقـــف العمليات الحربية مهما توحشت ردة الفعل اإلسرائيلي­ة.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia