رد المسيﺢ علﻰ سﺆال الخالفة الدينية
بشرى فيصل السباعي
ربـــمـــا ال يـــعـــرف كــثــيــرون أن مــعــضــلــة الجماعات الدينية الـتـي تسعى إلقـامـة خـالفـة عاملية لـم تبدأ بـالـجـمـاعـات اإلســالمــيــة، فــأقــدم جــمــاعــات مارست جميع ما مارسته الجماعات اإلسالمية من إرهاب باسم إقامة الخالفة كانت الجماعات اليهودية التي أيــضــا رفــعــت شــعــار الـحـاكـمـيـة لـلـه وإقــامــة خالفة عـاملـيـة وتكفير وقـتـل كــل مــن لـيـس مــن جماعتهم، رغـم أنهم على دينهم كجماعة Sicarii »سيكاري« اليهودية، وكانت ردات أفعال السلطات الرومانية على عملياتهم وثوراتهم سبب تدمير معبد الهيكل والقدس واضطهاد اليهود بعد أن كانوا يتمتعون بحقوق كاملة، والسبب الرئيسي لتكذيب اليهود للمسيﺢ يكمن بــرده على انتظارهم إقـامـة املسيﺢ خــالفــة عـاملـيـة تـحـكـم الــعــالــم »االنجيل/ لــوقــا ٧١: ٠٢-١٢«، »وملا سأله الفريسيون: متى يأتي ملكوت الله/الخالفة؟ أجابهم وقـــال: ال يـأتـي ملكوت الله بالترقب، وال يقولون: هوذا ههنا، أو: هوذا هناك، ألن مــلــكــوت الــلــه داخـــلـــكـــم«. فــاملــســيــﺢ قـــال لــهــم إن الخالفة الدينية تكون داخل اإلنسان وليست جماعة تظهر هنا أو هـنـاك لتشكل سلطة عـاملـيـة، ويؤمن اليهود أن الله حكم عليهم بالنفي من فلسطني وأن ال يقيموا دولــة حتى يظهر املسيﺢ ويقيمها ربما عقوبة لهم على هوسهم بتسييس الدين، واﻵية عن مبدأ الخالفة )وإذ قال ربك للمالئكة إني جاعل في األرض خليفة( ذكرته بمفهوم دور الرعاية لﻸرض ومــا فيها مـن مخلوقات وليست كسلطة سياسية عسكرية تـفـرض هيمنتها بـالـعـنـف، والزالــــت ردة فعل الجماعات اإلرهابية على هذا املفهوم للخالفة هـــو الــتــكــفــيــر والـــقـــتـــل كــمــا كـــــان حـــــال الجماعات اإلرهابية اليهودية، والفارق بني املفهومني للخالفة الدينية يمثل الفارق بني الخير والشر؛ ألن مفهوم الخالفة كسلطة عاملية حربية يعني اقتراف جرائم قــتــل جــمــاعــيــة لــلــشــعــوب عــبــر اإلرهــــــاب والحروب إلخضاعهم لسلطة أجنبية وهذا يجعل القائمني به سفاحون ومجرمون وأشرار كالدواعﺶ الذين صار مسمى جماعتهم بمثابة سبة هناك من رفع قضايا باملحاكم ضد من رمـاه بها، بينما مفهوم الخالفة كـتـكـلـيـف فـــــردي بــرعــايــة الــخــلــق تــجــعــل لﻺنسان حس الرسالة بمسلكه الخاص والعام الذي يهدف إلــى نفع وإفـــادة الخلق جميعا وليس فقط البشر وهــذا يجعل القائمني بـه تجسدا ملفهوم الخيرية واإلحسان، بالحديث »رجعنا من الجهاد األصغر، إلى الجهاد األكبر، قالوا: وما الجهاد األكبر؟ قال: جـهـاد الـقـلـب« البيهقي. »أال أخـبـركـم بـاملـؤمـن: من أمــنــه الــنــاس عـلـى أمــوالــهــم وأنـفـسـهـم، واملـسـلـم من سلم الـنـاس مـن لسانه ويـــده، واملـجـاهـد مـن جاهد نفسه في طاعة الله« ابـن حبان. ويمكن تصور كم كــان واقــع املسلمني سيكون مختلفا لـو أن الشائع بـاألدبـيـات الدينية كــان مفهوم الـخـالفـة والجهاد الـداخـلـي الــذي يجعل اإلنـسـان يسلك طريق تزكية وترقية وتطوير الـــذات وتكريسها على املثاليات الــعــلــيــا واإلحـــــســـــان ونـــفـــع الـــخـــلـــق، بـــــدل املنظور الـسـيـاسـي الـسـلـطـوي الــحــربــي لـلـخـالفـة والجهاد، فمقابل البرجني اللذين دمرتهما عملية القاعدة في أمريكا في ١١ سبتمبر، تم تدمير واحتالل بلدين مـسـلـمـني، ومــقــابــل عـمـلـيـات الـجـمـاعـات اإلسالمية اإلرهـــابـــيـــة خــــالل الــعــقــديــن األخـــيـــريـــن تـــم تدمير مــدن بكاملها كـانـت تتمركز فيها تلك الجماعات كاملوصل والرقة وكذلك مقابل عمليات الجماعات فــي فلسطني تــم تـدمـيـر املـــدن الفلسطينية وإبادة عــشــرات آالف املــدنــيــني واألطـــفـــال وإضــعــافــهــم من املشوهني واملعوقني واملعتقلني الـذيـن يتعرضون لـلـتـعـذيـب تـمـامـا كـمـا فـعـلـت الـسـلـطـات الرومانية بـــالـــيـــهـــود عـــنـــدمـــا قـــامـــت الـــجـــمـــاعـــات اليهودية بعمليات ضدها، متى سيستوعب املتحمسون أن رميهم حجرا على عﺶ الدبابير لن يؤذي الدبابير إنما سيثيرهم على مهاجمة األبرياء، ومن رماهم مسؤول عن نتائﺞ ردة الفعل االنتقامية؛ فهم كانوا يعرفون أنـه ستكون هناك ردة فعل انتقامية ضد املدنيني الفلسطينيني وأنه ال يمكن حتى استصدار قـــــرار مـــن األمـــــم املــتــحــدة يـــدعـــو لـــوقـــف العمليات الحربية مهما توحشت ردة الفعل اإلسرائيلية.