Okaz

السعودية.. قطب إقليمي بطموح عالمي

رؤية تصالحية تكاملية

-

شــهــد عــــام ٣٢٠٢م حـــراكـــًا الفــتــًا فـــي مجال الــســيــ­اســة الـــخـــا­رجـــيـــة، انـــطـــا­لقـــًا مــــن رؤية وفلسفة اململكة السياسية بشأن االستقرار العاملي والنظام الـدولـي، وهـي الـرؤيـة التي تبتعد عـن سياسات املـحـاور واالستقطاب، وتــســعــ­ى لــبــنــا­ء جــســور مــصــالــ­ﺢ مــع جميع القوى، بحيث ال تعني عالقاتها مع إحداها القطيعة مع اﻵخرين. وبـــحـــس­ـــب تـــقـــري­ـــر أصــــــــ­دره املـــعـــ­هـــد الدولي لــلــدراس­ــات اإليــرانـ­ـيــة، فــﺈن الــرؤيــة والفلسفة التي وجهت الحركة الدبلوماسي­ة السعودية على مــدى الـعـام املـاضـي، مكنت اململكة من الــتــحــ­رك الــنــشــ­ط خـــــارج صــنــاديـ­ـق الحركة الدبلوماسي­ة الضيقة، وانتقلت من مرحلة الحفاظ على وضعيتها القيادية في العالم اإلســالمـ­ـي إلــى مـرحـلـة بــنــاء الــــدور العاملي، لقوة إقليمية ذات طموح دولي. املـمـلـكـ­ة فــي ٣٢٠٢م ﻇــهــرت بـوصـفـهـا قطبًا إقـلـيـمـي­ـًا بـخـصـائـﺺ عــاملــيـ­ـة، وانــتــقـ­ـلــت من مــركــز لــقــيــا­دة الــعــالـ­ـم اإلســـالم­ـــي، إلـــى قطب إقليمي صاعد ذي هوية حضارية محددة، يــمــارس دورًا عــاملــيـ­ـًا أصــبــﺢ مــحــل احتياج فــي الــوســاط­ــات والــتــوا­زنــات الــدولــي­ــة، وكان ذلك مميزًا بعد سنوات أثقل خاللها دورها السياسي بفعل انخراطها في أزمات اإلقليم وحـــرب الــيــمــ­ن. هــذا الـتـوجـه الـعـاملـي يشير إليه، بشكل خـاص، حجم املؤتمرات والقمم الــجــمــ­اعــيــة والــثــنـ­ـائــيــة الـــتـــي استضافتها اململكة، وحجم الزيارات الرسمية والوفود، ونـوعـيـة األفــكــا­ر واملـــبــ­ـادرات الـجـديـدة التي أطـلـقـتـه­ـا الــســعــ­وديــة، مــا جــعــل مــن ٣٢٠٢م ذروة النشاط الدبلوماسي السعودي؛ وهو مسار يرجﺢ أن يستمر ويزداد في ٤٢٠٢م. وبـحـسـب الـتـقـريـ­ر، فــﺈن مــا مــكــن املـمـلـكـ­ة من لــعــب هـــــذا الـــــــد­ور هــــو تــنــامــ­ي الــــرضــ­ــى عن الــدور الـسـعـودي، ازديـــاد الطلب واملقبولية اإلقـلـيـم­ـيــة لــهــذا الـــــدور الــــذي تـعـامـلـت معه املـمـلـكـ­ة بــجــهــو­زيــة سـيـاسـيـة ودبلوماسية وتقنية عـالـيـة، وتفاعلت معه بثقة كبيرة. ولــعــل مـــا ســاعــد املــمــلـ­ـكــة عــلــى إحـــــداث هذا الزخم السياسي، هو أنها مارست االنضباط على نفسها أوال قبل اﻵخرين، وطبقت مبدأ )صــفــر مــشــكــا­لت( فــعــال ال قــــوال، حــني سعت إلـــى تـصـفـيـر مـشـكـالتـ­هـا مــع قــطــر والعراق وإيران، والحوثيني، وتركيا، وسورية. وإلى حــد كبير؛ سلط الـعـام املـاضـي الـضـوء على الـــقـــد­رات الــخــاصـ­ـة للمملكة، الــتــي جعلتها محطة محورية، يرغب الكثيرون في القدوم إليها وقبول وساطتها واالستضافة ألجل إبرام اتفاقيات التسويات على أراضيها. هـــذا الـــــدور الــســعــ­ودي الــطــمــ­وح تــجــســد فـــي مناح عـــديـــد­ة، إذ اســتــأنـ­ـفــت املــمــلـ­ـكــة فـــي ٣٢٠٢م، تقديم رؤيتها للعالم وللشرق األوســط في إطــاره. وسلط لــقــاء ولـــي الـعـهـد مــع قــنــاة )فــوكــس نــيــوز( الضوء عــلــى هـــذه الـــرؤيــ­ـة بــجــالء، إذ يـــرى أن الــعــالـ­ـم بناء مــتــســق ومــتــعــ­اضــد، ال يــنــبــغ­ــي اإلضــــــ­ـرار بـــــأي من أركانه وأعمدته، وال يرى أن التحالفات أو التكتالت الــدولــي­ــة هــي تــكــتــا­لت مــتــعــا­ديــة بــالــضــ­رورة، لذلك حني سئل عن عضوية اململكة في )البريكس(، أكد أن مجموعة )بـريـكـس( ليست ضـد أمـريـكـا، بدليل وجــود حلفاء واشنطن داخـلـهـا، و»بـريـكـس ليست تحالفًا سـيـاسـيـًا«. وحــني ســئــل عــن الـصـني قــال »ال أحد يريد أن يرى الصني ضعيفة، إن انهارت الصني فــــدول الــعــالـ­ـم أجــمــع مــعــرضــ­ة لــالنــهـ­ـيــار بــمــا فيها أمريكا«. وأكد التقرير اإلستراتيج­ي للمعهد الدولي أن هـــذه الـــرؤيــ­ـة الـتـصـالـ­حـيـة والـتـكـام­ـلـيـة للنظام الـدولـي تنتصر لـرؤيـة عالم يـسـوده الـسـالم وليس الـصـراع؛ وهـي رؤيـة تدعو األقطاب املتصارعة في الــعــالـ­ـم ألن تـتـبـصـر فــي أهـمـيـة وجــودهــا املشترك، وأن وجـودهـا هـو جــزء أسـاسـي لـوجـود اﻵخــر، وأن فناء ها يستبطن احتماالت الفناء للذات أيضًا. وفي مــا يتعلق بـالـسـيـا­سـة النفطية أكـــد أن »سياستنا الـبـتـرول­ـيـة يحكمها الــعــرض والــطــلـ­ـب، وملتزمون باستقرار أســواق النفط، وقــرارات )أوبــك+( ال تدعم طرفًا على حساب اﻵخر«. وتـرافـق مـع الـرؤيـة التصالحية لولي العهد بشأن الــنــظــ­ام الـــدولــ­ـي تـــوجـــه ســـعـــود­ي لــالنــفـ­ـتــاح بثقة عــلــى الـــشـــر­اكـــات الـــدولــ­ـيـــة الـــجـــد­يـــدة، واالستمرار فــي آلــيــة تـعـزيـز الــعــالق­ــات عـبـر مـجـالـس التنسيق اإلستراتيج­ية، التي لن يكون آخرها إعالن اململكة والبرازيل خالل زيـارة الرئيس لوال دي سيلفا إلى الـــريـــ­اض فـــي أواخـــــر أكــتــوبـ­ـر، عـــن إنـــشـــا­ء )مجلس التنسيق الــســعــ­ودي الــبــراز­يــلــي(، وفـــق مــا تضمنه البيان املشترك الـصـادر في ختام الـزيـارة الرئيس أواخر نوفمبر ٣٢٠٢.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia