حكومات الشوارع
فـــي الــديــمــقــراطــيــات الـــغـــربـــيـــة، ال تــســقــﻂ الـــحـــكـــومـــات بـــاملـــظـــاهـــرات واالعتصامات واإلضــرابــات، دعـك من التمرد وتدخل مؤسسات القوة الصلبة في الـدولـة، من شرطة وجيش ومليشيات مسلحة. الحكومات هناك تسقﻂ وتتغير وتتقلد السلطة، بآلية سلمية واحدة (االنتخابات)، بوصفها التعبير الوحيد عن اإلرادة العامة، كما تعكسه (سلوكيًا) حركة التداول السلمي للسلطة. لكن الحكومات التي تأتي إلى السلطة هناك، عن طريق االنتخابات، ال يعني أنها تنعم بسلطة مطلقة.. أو بفترة حكم هادئة، بدون «منغصات» سياسية، قد تربك ممارستها للحكم. في كل األحوال: فترة بقاء الحكومات في السلطة في األنظمة الديمقراطية محددة دستوريًا، لحني أن يأتي الوقت، لﻺرادة العامة، أن تقرر فيه اإلبقاء على الحكومة.. أو تغييرها بنخب سياسية معارضة، تحصل على ثقة الشعب. فــي كــل األحـــــوال، كـمـا أنــه ليست مــن آلــيــات تغيير أو تــــداول الـسـلـطـة فــي املجتمعات الديمقراطية، خارج آلية االنتخابات املتعارف عليها دستوريًا، فإن كل نخبة سياسية حاكمة، ليس هدفها الوصول إلى السلطة، بقدر ما هو البقاء فيها، ألطول فترة ممكنة، عن طريق تجديد ثقة اإلرادة العامة فيها، عند حلول موعد االنتخابات. بسبب هذه املسلمة السياسية، يكون ملتابعة الحكومة لتوجهات الرأي العام مؤشرات حقيقية، فـي قـيـاس شعبية رمــوزهــا، ومــدى رضــا الـــرأي الـعـام عـن أدائــهــم، وبالتالي: إمكانية بقائهم في سدة الحكم، عند حلول موعد االنتخابات القادمة. هنا تكمن أهمية استطاعات الرأي والحراك الشعبي السلمي، كاملظاهرات واإلضرابات واالعتصامات واالحتجاجات، كأهم مدخات النظام السياسي، التي تهم كا من الحكومة واملعارضة معًا. هنا يأتي دور ما نسميه: «حكومات الشوارع». املــظــاهــرات الــعــارمــة الــتــي تــجــوب شـــــوارع مـــدن الــديــمــقــراطــيــات الــغــربــيــة فــي أوروبــــا وأمريكا الشمالية واليابان وأستراليا، وكثير من الديمقراطيات املستقرة حول العالم، تنديدًا بما تقوم به إسرائيل من جرائم حرب تصل ملستوى اإلبـادة الجماعية للشعب الفلسطيني في غزة وبقية األراضــي املحتلة، طـوال الشهور الستة املاضية، لهو نذير وتحذير للنخب الحاكمة فـي تلك الــدول، بعدم رضـا الـشـارع عـن طريقة تعاملها مع األزمة، بل وأحيانًا اتهامها بتورطها في ارتكاب تلك الجرائم، بتأييد إسرائيل سياسيًا وتــزويــدهــا بـالـســاح. هــذا مــا تـتـبـرأ مـنـه تـلـك الـشـعـوب الــحــرة، عــن طـريـق تنظيم تلك املظاهرات السلمية. كما واكــب امتعاض الشارع من مواقف تلك الحكومات الغربية، بسبب موقفها املؤيد إلسرائيل، إعــادة إحياء قضية الشعب في ضمير تلك الشعوب، مما دفعها بأن تخرج في الشوارع، منددة بإسرائيل، هاتفة: تحيا فلسطني.. والحرية للشعب الفلسطيني. حـكـومـات غـربـيـة كـثـيـرة، بسبب هــذا الــحــراك الـسـلـمـي الــعــارم فــي شــــوارع مجتمعات الديمقراطيات فـي الـشـمـال، حدثت بها تغييرات فـي مواقفها السياسية مـن التأييد املطلق إلسرائيل في بداية األزمــة إلـى بــوادر لتغيير مواقفها وسياساتها التقليدية، بسبب ما ترتكبه إسرائيل من فظائع إنسانية، يجرمها القانون الدولي، تصل لدرجة
المظاهرات التي تجوب شوارع مدن الديمقراطيات الغربية، تنديدا بما تقوم به إسرائيل من جرائم حرب، لهو نذير وتحذير للنخب الحاكمة في تلك الدول