هل أمريكا مختطفة؟

العالقة بني الواليات املتحدة وإسرائيل جدلية ومثيرة لالستﻐراب، بل وتحتاج ملزيد من الدراسة والتعمق في التحليل، فمنذ تأسيس إسرائيل ٨٤91 يتجنب رؤساء الواليات املتحدة االصطدام بزعمائها على الرﻏم من عدوانيتهم السافرة ضد الدول العربية، ومن املسلم به أن النفوذ الصهيوني في الواليات املتحدة مسيطر ومتﻐلﻐل داخل األروقــــة السياسية واالقــتــصــاديــة بــل وحـتـى اإلعــالمــيــة األمريكية، ويزخر التاريﺦ الحديﺚ بالكثير من األحــداث التي تـدل على عمق العالقة التي تجمﻊ بني الدولتني على الرﻏم من خلوها من أي نوع من التقارب الفعلي، فلكل دولـة منهم تاريﺦ ولﻐة وديانة ودستور يختلف عن األخرى تمامًا. من الواضﺢ تمامًا أن اللوبي الصهيوني يعمل طول الوقت جاهدًا للضﻐﻂ على اإلدارة األمريكية ملنعها من توجيه اللوم إلسرائيل، أضف إلى ذلك فﺈن الواليات املتحدة تقوم بتزويد إسرائيل بأحدث التقنيات العسكرية واالستخباراتية التي تضمن لها تفوقها على العرب، وأكثر من ذلك فهي تقوم بتقديم املنﺢ واإلعانات لها والتي يستخدم جزء منها لبناء املستوطنات على األراضي املحتلة )برﻏم أن ذلــك مـخـالـف لــﻸعــراف الــدولــيــة( فـﺈسـرائـيـل كــانــت والتــــزال طفل الواليات املتحدة املدلل املستثنى من أي معاهدة دولية. من املؤكد أننا سنخطﺊ كثيرًا لو حاولنا التقليل من شأن وأهمية هذا اللوبي في الواليات املتحدة، ولعل أشهر أمثلته منظمة أيباك التي تعد أحد أقـوى مجموعات الضﻐﻂ التي تدافﻊ عن السياسات املؤيدة إلسرائيل لدى السلطتني التشريعية والتنفيذية في الواليات املــتــحــدة، فــهــذه املــنــظــمــة قـــــادرة عــلــى حــشــد األصــــــوات االنتخابية والتأثير فـي الــرأي الـعـام األمـريـكـي مـن خــالل امتالكها للعديد من املنابر اإلعالمية واسعة الشهرة، وهـي قــادرة على فبركة الحقائق أو اجتزائها أو تضخيم البعﺾ منها وتجاهل اﻵخــر، على نحو يجعلها قــادرة على تشكيل الــرأي العالم األمريكي، كما أنها قادرة على التأثير فـي العملية االنتخابية على النحو الــذي تــراه يخدم مصالحها ويحقق أهدافها، وفي نفس الوقت لديها من اإلمكانيات ما يجعلها قـادرة على تهميش األصـوات املناوئة لها والتقليل من أثرها. ومـن الجلي أن أي إدارة أمريكية تماطل قليال في تحقيق مصالﺢ إسرائيل أو تقوم بتوجيه النقد العلني لسياساتها الهمجية تتم معاقبتها على الفور، حيﺚ يتم على الفور الحشد للتصويت للمرشﺢ أو للحزب املــنــاوئ، وهــذا مـا يدفﻊ بعﺾ رؤســاء الــواليــات املتحدة إلى عدم الصدام مﻊ إسرائيل من األســاس، ويذكر جوزيف سيسكو مبعوث الرئيس األمريكي األسـبـق نيكسون فـي لقاء تلفزيوني أن الرئيس أرسله إلى رئيسة الوزراء اإلسرائيلية األسبق جولدا مائير، وطلب منه الضﻐﻂ عليها إلعادة األراضي املحتلة عام ٧٦91، ولكن «بشرط» أال يحدث ذلك شرخًا في العالقات األمريكية اإلسرائيلية. وفي سياق آخر.. وبعد حرب الخليج الثانية قام الرئيس جورج بوش األب بالضﻐﻂ على إسرائيل لقبول السالم مﻊ الفلسطينيني، وكان رد الحكومة اإلسرائيلية بزعامة شامير هو البدء على نطاق واسﻊ في بناء العديد من املستوطنات داخل نطاق األراضـي املحتلة، مما حدا بالرئيس بوش ألن يجمد املساعدات املالية إلسرائيل مما جعله عرضة لضﻐوط منظمة األيباك، لكن الرئيس األسبق هدد باستخدام حق الفيتو ملنﻊ أي قرار للكونجرس لتمرير هذه اإلعانات، وهو ما تسبب في خسارته الجولة الثانية من االنتخابات الرئاسية. مــن املــؤكــد أن مــا ذكــرنــاه لــم يكن أكـثـر مــن اسـتـرجـاع سـريـﻊ لبعﺾ األحداث التاريخية وذكر أشهر األمثلة الدالة على قوة نفوذ وسيطرة اللوبي الصهيوني، ويذخر التاريﺦ بالعديد والعديد من األمثلة املشابهة التي لم يتسﻊ الحديﺚ لذكرها في هذا الحيز املحدود، ولعل أهمها مـا يحدث اﻵن فـي األراضــي الفلسطينية مـن مـجـازر مروعة ومذابﺢ دموية ترتكبها القوات اإلسرائيلية بحق سكان شعب ﻏزة الـعـزل، والـذيـن قتل منهم حتى لحظة كتابة هـذه السطور ما يزيد على الثالثني ألف فلسطيني. مــﻊ ذلـــك فــدولــة إســرائــيــل تـتـلـقـى كــل الــدعــم والــحــمــايــة مــن اإلدارة األمـريـكـيـة رﻏــم بـعـﺾ مـواقـفـهـا الــصــوريــة )كـاالمـتـنـاع مــؤخــرًا عن الــتــصــويــت بــشــأن قـــــرار وقــــف إطـــــالق الـــنـــار فـــي ﻏـــــزة(، فالواليات املـتـحـدة فعليًا تـرفـﺾ حـتـى تـوجـيـه الــلــوم الحقيقي إلسـرائـيـل أو حتى مطالبتها بجدية بوقف إطـالق النار، وكأنها تمنحها -على أرض الـواقــﻊ- الـضـوء األخـضـر لالستمرار فـي عملية حصد أرواح الفلسطينيني دون أدنى مساء لة.

أي إدارة أمر يكية تماﻃل في تحقيﻖ مصالح إسرائيل أو تقوم بتوﺟيﻪ النقد العلني لسياساتها الهمجية تتم معاقبتها