أحمد صابر:
اﻻﺟتهﺎد ﻃﺎﻗة ﺗﻤد الشريﻌة ﺑﺎلﻤرونة ﺷﻐﻞ رواد النهﻀة ورجال اإلصﻼح منذ القرن التاسع عشر
عــد املــفــكــر املــغــربــي مــــوالي أحــمــد صــابــر (االجتهاد)، مــخــزون الــطــاقــة األثــــري الـــذي أورث الـشـريـعـة املرونة والــتــجــدد واالســـتـــمـــرار، وأمــــد األمــــة بــثــروة زاخــــرة من األحــكــام العملية والـنـظـريـات الحقوقية الـتـي وجهت حياتنا الخاصة والعامة ردحًا من الزمن. ويــرى أن االجتهاد درب من دروب التجديد في حركة األمة، وفي املنظومة الثقافية اإلسالمية، يبدأ من الفقه ويـمـتـد ملـخـتـلـف مــجــاالت املــعــرفــة بمختلف أنواعها، خصوصًا أن املتتبع للكتابات وملختلف ما ينشر في املكتبة العربية واإلسالمية يالحظ أن موضوع االجتهاد شغل رواد النهضة ورجال اإلصالح منذ أواخر القرن التاسع عشر ومـــرورﴽ بـالـقـرن الـعـشـريـن، فكل الـذيـن ألـفـوا وكـتـبـوا فـي مختلف ميادين الفكر واملعرفة كـان هدفهم بشكل مباشر أو غير مباشر العمل على بسط فكر ومعرفة وثقافة تستجيب ملتطلبات الحياة املـعـاصـرة، وال يعني ذلــك أن كـل املتدخلني والفاعلني فـي الشأن الفكري واملعرفي يشتركون في نفس الفكر والتصور والتوجه، فموضوع االجتهاد والـدعـوة إليه باعتباره مفهومًا ومصطلح تبناه املختصون في املعرفة والعلوم الشرعية، والكثير منهم من خريجي الجامعات واملﺆسسات الدينية مثل: األزهــر والقرويون والزيتونة، ولم يكن فقههم مثل فقه الكثير من الذين وقفوا عند فقه األحـكـام فقط، وإنما كـان فقههم يجمع بني فقه الـواقـع وفقه األحكام، وهو األمر الذي جعلهم يظهرون بكونهم مجتهدي األمة، في مقابل فئة أخرى من خريجي املﺆسسات الدينية اكتفوا بالبقاء على مضامني املدونة الفقهية كل حسب مذهبه، ومنهم من أنكر كثيرﴽ وحذر من اجتهادهم. وقـسـم صابر الـذيـن يقولون باالجتهاد إلـى فئتني، األولـــى: تقف عند القول باالجتهاد وال تعمل به، وهي الفئة الغالبة، والثانية: وهـي التي تنظر إلـى االجتهاد نظرة حضارية، نتيجة وعيها بالتغيرات الثقافية واالجتماعية ذات الـطـابـع الـعـاملـي التي صــاحــبــت الــقــرن الــعــشــريــن ومـــا بعده، وهــــــي تـــغـــيـــرات لـــهـــا أثــــــر بــلــيــغ على مــوضــوع االجـتـهـاد مــن جـهـة طبيعة اإلشـــكـــاالت والــقــضــايــا الــتــي تتطلب األخذ باجتهاد ينسجم ويتوافق مع الـسـيـاق االجـتـمـاعـي والـثـقـافـي، وهو سياق يتميز بنظم ومﺆسسات وقوانني عاملية ومـواثـيـق دولـيـة منظمة لطبيعة الـعـالقـة بــني الـــدول واألمــــم، فـاالجـتـهـاد من هــذا املنظور هـو «حـالـة اجتماعية وحضارية فــاالنــتــفــاع بـثـمـراتــه وفـــوائـــده مـتـوقـف عـلــى مقدمات ضرورية». وعزا تقلص االجتهاد وقلة املجتهدين إلى تقلص دائرة االهتمام
اﻻﺟتهﺎد مﻦ دروب التﺠديد في ﺣرﻛة اﻷمة يﺒدأ مﻦ الﻔقﻪ
هناك فئة تقف عند القول باالجتهاد وال تعمﻞ به وهي الﻐالبة
واالشــــــــــــتــــــــــــغــــــــــــال بـمـخـتـلـف العلوم، مـــشـــيـــرﴽ إلـــــــى أن تيارﴽ آخر كبيرﴽ ومتنوعًا (يجمع بـــني اتـــجـــاه توفيقي واتــــــــجــــــــاه الــــقــــطــــيــــعــــة مع الــتــراث)، لــم يـتـﱭ مقولة االجتهاد، واســتــحــدث مـصـطـلـحـات ومــفــاهــيــم بــديــلــة عنه من قبيل املعاصرة والتحديث والتجديد، وهذا االتـــجـــاه فـــي أغــلــبــه تــلــقــى تــكــويــنــًا عــصــريــًا في الفلسفة والعلوم اإلنسانية، وبالتالي فهو ال يفكر داخــل سـيـاق مـدونـة الفقه وأصـــول الـفـقـه، واشتغل بشكل كبير على قضايا فكرية تتعلق بـسـﺆال تبيئة واستيعاب مختلف القضايا واألفكار في الفكر والفلسفة الغربية والفلسفة اإلسالمية، ما يعني توزعهم على تيار األصالة وتيار املعاصرة، األول له اهتمام كبير بامتالك وضبط مختلف متون مـعـارف العلوم الشرعية، والـثـانـي لـه اهتمام أكبر بسﺆال املـــــــــــنـــــــــــاهـــــــــــﺞ واملــــــــــــــــــــــــــــــدارس وســـــــــــــــــﺆال الــــفــــهــــم والتحليل. وأوضح، أن الجامعات في العالم اإلسـالمـي تــدرس العلوم الشرعية فـي كليات الشريعة وكليات وشعب الــدراســات اإلسـالمـيـة، ولكن ال ينبغي أن نغفل أن هذه الكليات سابقة الذكر ال تستحضر بالشكل الكافي العلوم اإلنسانية على مستوى املنهﺞ، فـي الفهم والتحليل من جهة تدريس الطالب، بقدر ما هي منجذبة بشكل كبير إلى ضبط املتون واألقــوال، ولديها نوع من الفصل ما بني العلوم الشرعية والــعــلــوم اإلنــســانــيــة، فـالـغـايـة مــن هـــذه الــطــروحــات الـفـكـريـة هي إنعاش وتقوية االجتهاد الفقهي بتحرير االجتهاد من الدائرة الفقهية القديمة، وربطه بالدائرة األوســع، وهي دائـرة الحضارة وإشــكــاالتــهــا ومــقــتــضــيــاتــهــا فـــي الـــزمـــن الـــحـــديـــث. فـفـقـيـه اليوم بالضرورة يكون قريبًا من السيسيولوجيا والتاريﺦ... ليس من باب التخصص، ولكن من باب املعرفة العامة والكلية.
االجتهاد