Okaz

حرُب غزة غير التقليدية

- د. طالل صالح بنان talalbanna­n@icloud.com كاتب سعودي

الــحــرب، تاريخيًا، ليست نـزهـة ممتعة، وال حتى رحـلـة آمـنـة. الحرب خيار صعب ورهان غير مضمون، عاقبتها املتوقعة أفدح من غنائمها

َُ املحتملة. لكن الحرب، مع كل ذلك، تشن من أجل الوصول للسالم. الحرب والسالم، في النهاية: متغيران متالزمان صعب، في كثير من األحيان، تحديد أيهما الثابت وأيهما املتغير. الـحـرب ممكن أن تشن مـن أجــل تحقيق غاية نبيلة، ويمكن أن تكون مغامرة في املجهول، يدفعها غرور القوة.. ويغري اإلقدام على خيارها، وهم االنتصار. لكن، يظل في كل األحوال، مثلب الحرب القاتل (الخطأ في الحساب). الحرب ليست معادلة متغيراتها، في كل األحوال مادية، يمكن حسابها كميًا. هناك متغيرات ال يمكن قياسها كميًا، تكون سببًا فـي نـشـوب الــحــروب، وتـحـديـد مصيرها. قـد يـكـون قــرار الـحـرب ليس مـن أجــل تحقيق النصر، بـل تـفـادي الهزيمة.. وقــد يكون قــرار الحرب «تكتيكيًا» مـرحـلـيـًا، ولــيــس إسـتـراتـي­ـجـيـًا حـاسـمـًا. قــد تــكــون الحرب، تمهيدﴽ لخوض حرب أخرى، وليس لحسم الصراع، من الجولة األولى. لو طبقنا هذه املعايير على حرب غزة، نجد أن املقاومة الفلسطينية، لم تعتمد على معايير القوة املادية، في اتخاذها لقرار الحرب، بل كل حسابات املقاومة اعتمدت على تقديرات لحساب القوة، بعيدة عن ما يعتقد أنها متطلبات ضرورية لعقالنية اتخاذ قرار الحرب. املقاومة، تعرف مسبقًا، أنها باملعايير املادية، التي يمكن قياسها كميًا، ليست ندﴽ إلسرائيل. األخطر: أن املقاومة، لو حدث أنها حسبت قوة إسرائيل الذاتية في مواصلة الحرب، وغاب عن حساباتها رد فعل حلفاء إسرائيل الدوليني، بل وغفلت عن حساب مواقف أطــراف إقليمية متقلبة، فإن املقاومة تكون قد وقعت في خطأ إستراتيجي خطير. املقاومة، بعد أن جهزت قاعدتها الشعبية لخوض حرب كبيرة وطويلة، وضعت في حساباتها، ليس االنتصار في املواجهة، بل تفادي الهزيمة. كـل أوراق اللعبة تلك التي بيد املـقـاومـ­ة، شكلت اقترابًا غير تقليدي للحرب، بعيدﴽ عن منطق الحروب التقليدية، التي تعتمد في حساباتها، على متغيرات يمكن قياسها كميًا. املقاومة، بهذا االقـتـراب لم تكن ال عقالنية، وال غبية، وال مـتـهـورة، كما لـم يكن قــرارهــا لـدخـول الحرب انتحاريًا. املقاومة باتخاذها قرار عملية طوفان األقصى، لم تكن ترمي لهزيمة إســرائــي­ــل، بـقـدر مــا كـانـت تـهـدف إلــى إظــهــار كــم هــي إسرائيل ضعيفة وهـشـة.. وأن جيشها، الــذي «ال يقهر»، كـم هـو هـذا الجيش ال أخـالقـي وجـبـان ال يحسن مـن الــحــرب، إال قتل املدنيني وتدمير املدن وارتـكـاب جرائم الحرب، التي تنحدر لـدرك التطهير العرقي واإلبادة قد تكون الحرب تمهيدا لخوض حرب أخرى، وليس لحسم الصراع، من الجولة األولى الجماعية. اقتراب غير تقليدي ملفهوم الحرب، حيث تتحكم تاريخيًا، في توازنات النظام الدولي واستقراره (إستراتيجيًا) معايير الردع الكمية. املقاومة أثبتت أنها ممكن أن تشن حربًا انطالقًا من قطعة أرض ضيقة مكتظة بالسكان تفتقر للموارد محاصرة، يشتد حصارها في وقت الحرب.. وبــإمــكـ­ـانــهــا مــواصــلـ­ـة الـــحـــر­ب ألشـــهـــ­ر، تــحــت الــقــصــ­ف، بــــدون تزويد بالسالح.. وبدون توفر إمكانات ومتطلبات العيش ومواصلة القتال، من غذاء ودواء وطاقة ومـاء. مع ذلك يعجز العدو عن إلحاق الهزيمة بها.. أو كسر إرادة شعبها...بل ويعجز عن تحقيق أي من أهدافه من خوض الحرب. لــنــصــف عــــام واملـــقــ­ـاومـــة تــخــوض حــربــًا، غــيــر تـقـلـيـدي­ـة، خــــارج ماهو مــتــعــا­رف عـلـيـه (اصــطــالح­ــًا) عــن الـــحـــر­وب غــيــر الــتــقــ­لــيــديــ­ة، تسليحًا وإستراتيجيًا و«تكتيكًا»، ضد عــدو مدجﺞ بأسلحة متقدمة، الغبية منها والذكية، التقليدية منها وغير التقليدية (النووية). لكن املقاومة املزودة بأسلحة بدائية خفيفة، وصواريﺦ ومسيرات، معظمها محلي الصنع، تمكنت من تحدي إستراتيجية الردع اإلسرائيلي­ة. كما تتميز املـقـاومـ­ة، عـن عــدوهــا، كونها مفعمة بـــإرادة قتالية مـاضـيـة، يدفعها اإليمان بقضيتها العادلة. املقاومة في غزة لن تنهزم.. وشعب غزة لن ينكسر. حقيقة ستسفر عن نفسها حني تضع الحرب أوزارها.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia