خيانة بدٍم بارٍد

لعل أسوأ صفة على مر العصور هي الخيانة والغدر، ذلك أن تأثيرها قد يتسبب في انهيار أمم وانـدالع الفﱳ وانتشار الفوضى، فالخيانة هي سلوك غير سـوي ينطلق من حقد دفـني موجه ضد كل ما يحيط بالخائن، والخونة يسهل شراؤهم وتحريكهم كالدمى، وخيانة الوطن من أشد الجرائم إثمًا وأسوأها عاقبة، والخائن لوطنه هو خائن لنفسه وألسرته وللمجتمع بأسره، والنفس غير السوية ال يمكن أن تحركها املبادئ والقيم اإلنسانية، فالغاية عندها تبرر الوسيلة. يحاول أن يطلق خونة األوطـان على أنفسهم العديد من املصطلحات الرنانة كاإلصالحيني والنشطاء لتجميل صورتهم وعــرض أنفسهم أمــــام الـــــرأي الـــعـــام الــعــاملــي كــمــواطــنــني شـــرفـــاء يــبــحــثــون عـــن الحرية ألوطانهم، والجدير بالذكر أن كل هـﺆالء أجنداتهم واحــدة وأهدافهم مشتركة وإستراتيجيتهم ال تتغير، فهم املتربصون املترصدون دومًا لهفوة هنا أو زلة هناك، وهم من يستشيطون غضبًا وتكفهر وجوههم عند حدوث أي إنجاز. وبــــقــــدر مــــا يــمــتــطــي هــــــﺆالء املــــعــــارضــــون صهوة فرسانهم بصلف وعجرفة تجاه أوطانهم بقدر ما يتذللون ويطأطئون رؤوسهم بخنوع أمام الدول الــتــي تـﺆويـهـم وتستضيفهم ألهـــداف معروفة، ويــنــفــذ هــــﺆالء املـــعـــارضـــون خــطــط الـــــدول التي تﺆويهم من خالل تسديد طعناتهم ألوطانهم األم، وتستخدم الــدول هـﺆالء املعارضني كسالح مﺆقت وبعد أن تستنفد مخزونهم ويصبحون بالنسبة لها عالة يصعب حملها، تلقي بهم خارج بالدها غير مبالية بمصيرهم، ويظل هــﺆالء هائمني على وجوههم من بلد آلخر باحثني عمن يحتاج لخونة وملن يدفع أكثر أيضًا. وألن لكل زمرة من هﺆالء املنشقني توجهًا ومنفعة خاصة به، لذلك هو ال يريد إشراك الطرف اآلخر في تنفيذ أجندته الخاصة، وال يريد ألحد أن يطلع على أســراره املشبوهة، ولذلك ترى لكل زمـرة منهم خصومة واختالفًا مع األخرى، ولكن القاسم املشترك بينهم هو النية والعزم في هدم أركان املجتمع الذي خرجوا منه، وحتى لو أظهر هﺆالء نوعًا من الـتـودد لبعضهم البعض من خـالل التقاط بعض الصور التجميلية فهي ليست إال محاولة إلظـهـار أن مراكبهم تسير وليست عالقة في املياه الضحلة. يسعى هﺆالء لتسويق أنفسهم على أنهم على قلب رجل واحد، غير أنه من املﺆكد أن لكل فرد منهم خزينة أســرار تحوي خيانته ال يرغب أن يطلع عليها اآلخرون، وكل فئة منهم ال ترغب في أن تشاركها أي جهة أخرى في التمويل املخصص لها، ومهما حاولوا إظهار الود لبعضهم البعض فال شك أن الشك والريبة والخوف والقلق يجري في عروقهم مجرى الدم. ما يثير االستغراب بل واالشمئزاز أيضًا هو أن الكثير من تلك الوجوه قـد نـالـوا بالفعل تقدير واحــتــرام اململكة وطنهم األم، فبعضهم نشأ وتعلم وترعرع في اململكة ثم تم ابتعاثه للخارج ليعود ليخدم وطنه وشعبه، غير أن اإلغـــراءات القوية لالستمرار فـي العيش بتلك الدول التي ابتعثوا إليها، باإلضافة لضعف شخصياتهم ونزعتهم الغريزية للخيانة والـطـمـع وحــب الـظـهـور، كــل ذلــك جعلهم يميلون لالنسالخ من مجتمعهم وأوطانهم أمـال منهم في الحصول على جنسية تلك الدول التي أقاموا فيها، وما نذكره هنا ليس افتراء عـلـيـهـم وال اسـتـنـتـاجـًا مــنــا، فـالـكـثـيـر مـنـهـم يعترف بحصوله على جنسية الدولة التي اتخذها وكرﴽ إلعالن الحرب على وطنه األم. من املﺆكد أن هﺆالء ليسوا قامات علمية وال من أصحاب براء ات االختراع ليتم منحهم الجنسية، فيكفيهم توجيه الشتائم والسباب حتى يظهروا خيانتهم ونقمتهم، وأكاد أجزم بيقني أن الكثير مـن هــﺆالء يـــرددون مـا يقولونه بــدون وعــي منهم وال فهم ملدى خطورته، ونبرات صوتهم يظهر فيها الحقد الدفني والغرور والعجرفة، وال شك لدي في أنه ال طائل من وراء هﺆالء وال أمل في أن يعودوا لجادة الصواب، فهم مصابون بالغرور وامليل للخيانة على نحو غريزي. لكل دولة فئة مثل هﺆالء ممن هربوا لتحقيق أجندة خارجية بذريعة اإلصــالح وحماية حقوق اإلنـسـان وغيرها من الشعارات ذات البريق الــالمــع، ويكفينا أن نـتـسـاءل عما قــدم هـــﺆالء ألوطـانـهـم ســوى الردح على املنابر، وبكل أسف نجح بعض هـﺆالء املنشقني من بعض الدول العربية في تحقيق الهدف املخطط لهم، ويكفينا أن ننظر ونقرأ الواقع املأساوي في الـدول العربية التي مزقتها الحروب األهلية لنرى كيف أصبح املواطن هناك غريبًا في بلده، غير أن األمل معقود على املنابر الثقافية والتوعوية في فضح ضالالتهم وتعرية أكاذيبهم، وذلك حتى ال يتأثر الشباب الغر صغير السن بمثل تلك الترهات.

اﻷمﻞ مﻌقﻮد ﻋلﻰ الﻤنﺎﺑر الﺜقﺎفية والتﻮﻋﻮية في فﻀﺢ ﺿﻼﻻﺗهﻢ وﺗﻌرية أﻛﺎذيﺒهﻢ

ﺧياﻧة الوﻃﻦ مﻦ أﺷﺪ الجرائﻢ إﺛما وأسوأﻫا ﻋاقبة