رؤية 2030 وافتراءات صحﻒ الكليك بيتس !
علي محمد الحازمي
بعﺾ التقارير الصحفية أبسط ما يمكن أن يوصف به بأنه «ثرثرة صحفية» خالية مـن الحقائق. ال أستغرب زيــف بعﺾ تلك الـتـقـاريـر؛ ألن تلك الصحف تثبت لنا، املرة تلو األخرى، أنها فعال فقدت مصداقيتها، إما بسبب توﻇيفها ألشـخـاص ال يتمتعون بخلفيات صحفية جـيـدة ويفتقرون ألبـسـط مقومات املهنية أو ربما بحثهم عن اإلثـارة الصحفية من خالل العناوين أو كما يطلق عليها «الكليك بيتس» لزيادة نسبة القراء أو املشاهدات من خالل إثارة عواطف أو فضول الجمهور. هناك سؤال أشكل على بعﺾ الصحف تفسيره، وهو عن اآللــيــات الـتـي تتبعها السعودية لتحقيق هــدف ٠٠1 مليار دوالر كاستثمار أجنبي مباشر بحلول عام ٠3٠2. ســأســتــخــدم لــغــة األرقــــــام كــدلــيــل لــدعــم املــصــداقــيــة وتـــعـــزز صــحــة التأكيدات واالستنتاجات التي سأوردها في هذا التقرير؛ ليكون أكثر إقناعًا وموثوقية وقابلية للقياس والتحقق منها. على الرغم من االنخفاض الحاد لالستثمار األجنبي املباشر خالل أزمة كورونا في الدول األوروبية بواقع ٠7% والواليات املتحدة األمريكية؛ الذي ناهز ٠5% وكان سالبًا في عدد من الدول األخرى، إال أن السعودية حققت نموًا في االستثمار األجنبي بأكثر من %4 خالل تلك األزمة في تأكيد على أن السعودية كانت واحدة من املالذات اآلمنة للشركات العاملية. مــا بــن عــام 2٠23 -2٠21 ارتــفــع االسـتـثـمـار األجـنـبـي املـبـاشـر مــن %1٫5 إلى %2٫4 من حجم الناتﺞ املحلي اإلجمالي، وهذه الزيادة تمثل قفزة بواقع ٠6%، وارتفعت التدفقات النقدية لالستثمار األجنبي في ذات الفترة بأكثر من .%٩7 فـي األعـــوام مـن ٠3٠2 -2٠24 سيكون متوسط التدفقات النقدية لالستثمار األجنبي ما بن %33 -%25 وهذا يعتبر رقما منطقيًا ووفق املعدل العاملي للدول الناشئة والنامية، كما أن هذا املتوسط يأتي مدعومًا باملحفزات التالية: أوال: على املستوى التشريعي والتنظيمي، عندما فتحت السعودية أبوابها على مصراعيها لالستثمار األجنبي املباشر بعدما اتخذت تدابير جوهرية لتحسن بيئة األعمال وجعلها أكثر جاذبية للمستثمرين األجانب، وذلـك من خالل تبني إصالحات كبيرة لتبسيط إجراءات بدء األعمال التجارية، وتعزيز حماية املستثمرين األجانب، وإنشاء املحاكم التجارية لحل النزاعات التجارية، والـهـيـئـات التنظيمية املتخصصة لخلق بيئة أعــمــال أكـثـر شفافية وكفاءة، وتحديث وسن قوانن جديدة للشركات األجنبية توفر لهم حماية وحوافز أكبر، متضمنة قوانن تسمح بملكية أجنبية بنسبة ٠٠1% في معظم القطاعات، لم يكن األمر مبنيًا على استجداء لتلك الشركات العاملية للدخول للسوق السعودية، بل أدركت تلك الشركات العابرة للمحيطات مدى التزام السعودية بخلق مناخ اسـتـثـمـاري عــاملــي مــالئــم. وعــلــى الــفــور أدت الـتـحـديـثـات عـلـى مـسـتـوى البنية التشريعية والتنظيمية إلى زيادة ملحوﻇة في االستثمار األجنبي املباشر في اململكة العربية السعودية. ثانيًا: السعودية ال تستهدف جذب االستثمار األجنبي املباشر فقط من خالل املشاريع كنيوم والقدية وأماال كما ذكر التقرير، بل لديها العديد من املبادرات التي تدعم هذا التوجه وسأذكر البعﺾ منها ألن التطرق لها جميعًا يحتاج ملـئـات الـصـفـحـات. شـرعـت اململكة العربية الـسـعـوديـة فــي بـرنـامـﺞ خصخصة طموح يهدف إلــى بيع حصﺺ فـي العديد مـن القطاعات العامة مثل الطاقة والرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية. وال تجتذب جهود الخصخصة هذه املستثمرين األجانب فحسب، بل تعمل أيضًا على تعزيز املنافسة والكفاء ة في االقتصاد. عالوة على ذلك، أنشأت السعودية العديد من املناطق االقتصادية الخاصة لجذب االستثمار األجنبي وتعزيز التنويع االقتصادي. ومن األمثلة البارزة على ذلك مدينة امللك عبدالله االقتصادية؛ وهي مشروع تطوير ضخم على ساحل البحر األحمر مصمم ليكون مركزًا ملختلف الصناعات، بما في ذلك الخدمات اللوجستية والتصنيع والسياحة، وكذلك مدينة جـازان للصناعات األساسية والتحويلية التي جذبت إلى هذه اللحظة استثمارات أجنبية تناهز ٠1 مليارات دوالر. كما أن الـدولـة وضعت أهـدافـًا طموحة بمشاركة الشركات العاملية لتطوير قطاع الطاقة املتجددة، وذلـك من خالل االستثمار بكثافة في مـشـاريـع الـطـاقـة املـتـجـددة، بما فـي ذلــك الـطـاقـة الشمسية وطـاقـة الــريــاح، وقد أطلقت مبادرات مثل البرنامﺞ الوطني للطاقة املتجددة. ثـالـثـا: أطلقت اململكة العربية الـسـعـوديـة مــبــادرات مختلفة لتطوير وجذب االسـتـثـمـار األجـنـبـي فــي الـصـنـاعـات الـرئـيـسـيـة. عـلـى سبيل املــثــال، البرنامﺞ الوطني لتطوير الصناعة والـخـدمـات اللوجستية «نـدلـب» الــذي يهدف إلى تحويل البالد إلى مركز صناعي ولوجستي عاملي، حيث يقدم برنامﺞ «ندلب» حوافز ودعمًا كاإلعفاءات الجمركية والضريبية للشركات األجنبية إلنشاء مــرافــق التصنيع والــخــدمــات اللوجستية. نـفـذت اململكة الـعـربـيـة السعودية إصالحات كبيرة في قطاعها املالي لجذب املستثمرين األجانب، وذلك من خالل فتح سوق األوراق املالية «تــداول»، أمـام املستثمرين من املؤسسات األجنبية، مما سمح لهم باالستثمار املباشر في الشركات املدرجة. وقد أدى إدراج األسهم السعودية في مؤشرات األسـواق الناشئة العاملية، مثل مؤشر MSCI لألسواق الـنـاشـئـة، إلــى تعزيز اهـتـمـام املستثمرين. تعمل اململكة العربية السعودية بنشاط على تعزيز التكنولوجيا واالبتكار كمحركن للنمو االقتصادي وتؤمن أن االستثمار األجنبي املباشر شريك وجزء ال يتجزأ من هذا التوجه، وذلك من خـالل إنشاء مناطق مخصصة للتكنولوجيا واالبتكار لجذب االستثمارات في قطاعات مثل الذكاء االصطناعي، والروبوتات، والتكنولوجيا الحيوية، والتحول الرقمي. رابعًا: اليوم عندما تفتح الشركات العاملية خريطة الشرق األوسط وشمال أفريقيا بحثًا عن فـرص استثمارية ال تقع أعينهم إال على اململكة العربية السعودية كوجهة استثمارية لعدة أسباب؛ يأتي في مقدمتها أكبر سوق استهالكي مما يجعلها وجهة جذابة للشركات العاملية التي تتطلع إلى توسيع وجودها في املنطقة، وأسرع دول ٠2G من حيث النمو االقتصادي، وواحدة من الدول التي تتمتع باستقرار اقتصادي ومـالـي وسياسي واجتماعي، ودولــة لديها رؤية إستراتيجية طموحة متمثلة في رؤيتها ٠3٠2، وذات موقع إستراتيجي كونها واحدة من أهم بوابات العالم بصفتها مركز ربط للقارات الثالث؛ آسيا وأوروبا وأفريقيا، مما يعزز مكانتها كمركز إقليمي للتجارة واالستثمار. في املجمل أدت تلك العوامل إلى زيادة ملحوﻇة في االستثمار األجنبي املباشر في اململكة العربية السعودية. وقد نجحت السعودية في جذب استثمارات من مختلف القطاعات والـبـلـدان، مما يــدل على التزامها بخلق مناخ استثماري مــالئــم لــجــذب االســتــثــمــارات الــعــاملــيــة وتــنــويــع اقــتــصــادهــا. وبــشــكــل عــــام، فﺈن إنجازات اململكة العربية السعودية في جذب االستثمار األجنبي املباشر هي نتيجة لﻺصالحات الشاملة، واملبادرات املستهدفة، والرؤية الواضحة للتنويع االقـتـصـادي. وقــد أدى الـتـزام الـبـالد بتحسن بيئة األعــمــال، وتعزيز االبتكار، وبناء الشراكات اإلستراتيجية العاملية إلى نتائﺞ إيجابية، مما جعل اململكة العربية السعودية وجهة جذابة بشكل متزايد للمستثمرين األجانب.