Okaz

أمريكا أكثر حيرة من ذي قبل !

- محمد الساعد @massaaed كاتب سعودي

خالل الخمسن عامًا املاضية، لم تبد السياسة األمريكية متقلبة املــزاج، مترددة في مواقفها، متعددة األوجــه، كما هي الـيـوم، أمريكا رونـالـد ريغان -على سبيل املثالكانت ضد كل قوى الشر حينها (املعسكر الشرقي، االتحاد السوفيتي، إيران، الفصائل اإلرهابية؛ القاعدة، بعﺾ املنظمات الفلسطينية املتطرفة، سوريا، ليبيا)، وحليفة لدول االعتدال والسالم (السعودية، مصر، دول الخليج، األردن، املغرب). قواعد االشتباك التي أدار بها الرئيس رونالد ريغان عالقاته مع املنطقة كانت صارمة جـــدًا، وال تسمح بالنيل مــن حـلـفـاء بـــالده، وال تتيح للمتنمرين فــي الـعـالـم تجربة أسلحتهم ونفوذهم عليها، لقد احترمت الحلفاء كما يليق بهم، وقدمتهم على األعداء، ولم تكن تتعامل معهم بوجهن وال بطريقتن. إذا كنا نتذكر؛ فقد كان اإلقليم الشرق أوسطي بن األعوام 1980( - ،)1990 يموج بحروب عديدة، (سوفيتية أفغانية، عراقية إيرانية، حرب أهلية قاسية في لبنان، وانتفاضة فلسطينية عنيفة في الضفة)، ومع ذلك كان حلفاء الواليات املتحدة األمريكية يقيمون عالقة مميزة مع اإلدارة األمريكية في البيت األبيﺾ تنسيقًا وإنجازًا، واستطاعوا من خالل ذلك التنسيق تفكيك األزمات وإنهاء الحروب واحدة تلو األخرى. في أفغانستان، سقط االحـتـالل السوفيتي ،1990 الحرب العراقية اإليرانية انتهت ،1988 فــي لــبــنــا­ن بــــدأت مــعــالــ­جــات الــحــرب األهــلــي­ــة بــاتــفــ­اق الــطــائـ­ـف ،1989 وفي القضية الفلسطينية اعترفت الـواليـات املتحدة األمريكية بمنظمة التحرير كممثل للفلسطينين بعد وساطة سعودية ،1988 لتبدأ بعدها مسيرة الفلسطينين نحو الدبلوماسي­ة الدولية. بقيت الواليات املتحدة األمريكية (ريغن، بوش األب، كلينتون، بوش االبن) تتعامل مع منطقة الشرق األوسط بعقلية راشدة واعية للحتمية السياسية واالقتصادي­ة واألمنية لها، وتفهم أن السماح بأي عبث فيها يعني تفجير العالم وانتهاء دورته االقتصادية، إدارات تطفئ النيران وال تذكيها، لم ال.. فالشرق األوسط هو أكثر مناطق العالم تأثيرًا وتأثرًا، ولذلك من املهم التعامل معه ومع حكامه، وشعوبه بحذر، وانفتاح وتفهم. الرئيس األسبق باراك أوباما كان أول املتخلن عن قواعد السياسة األمريكية، واستدار بعيدًا عن حلفاء بالده، معلنًا أن هذه املنطقة لم تعد أولوية، ومع أن السياسة األمريكية في عهده ارتحلت بعيدًا، إال أن املصالح العميقة التي يزيد عمرها على ثمانية عقود، أبت أن تتحرك وبقيت تراوح مكانها، تنتظر إدارة واعية قادرة على االستدارة نحو

على إدارة واشنطن أن تكون أكثر قناعة أنها من دون حلفاء أمريكا الحقيقيين، سيصبح من الصعوبة عليها تفكيك ألﻐامها وفخاخها

الشرق األوسط بما يحفﻆ للحلفاء مكانتهم، ويحقق االستقرار، ويعيد الحياة لتلك املصالح املتجذرة. طريقة (العب السيرك) الذي يستخدم يدًا واحدة في رمي كرات عاليًا والتقاطها، ليست سياسة، بل مغامرة قد تقود املنطقة والعالم إلـى هـوة سحيقة، كما أن التوقف عن التالعب واملؤامرات وتحريك (الصغار) -التي يفترض أال تمارسها الدول العظمى- هي الباب الوحيد للوصول إلى شرق أوسط مستقر يضمن مصالح الجميع. املشهد الحالي في اإلقليم يشبه إلى حد كبير الشرق األوسـط في عهد ريغان (حرب روسية في أوكرانيا، حــروب أهلية في اليمن والـسـودان وسـوريـا وليبيا، اشتباكات مسلحة في الضفة وقطاع غزة بن الفلسطينين واإلسرائيل­ين، حرب أهلية -باردةفي لبنان)، لكن الفارق أن ريغن غير موجود، وتريد واشنطن أن تحل هذه القضايا امللتهبة التي تمس أمن املنطقة ومستقبل شعوبها بأنانية مفرطة. على اإلدارة في واشنطن أن تكون أكثر تواضعًا وقناعة أنها من دون حلفاء أمريكا الحقيقين، ومن دون تنسيق وثقة بن أعضاء نادي املنطقة واألمريكان، فسيصبح من الصعوبة عليها تفكيك ألغامها وفخاخها، كما أن النظر إلى الحلفاء أو األصدقاء على أنهم مجرد حالة طارئة على املشهد األمريكي ويمكن التخلي عنهم بسهولة، ال يعني أبدًا أن العودة من النافذة -كما يحاول اآلن الرئيس الحالي بايدن- متاحة أو سهلة، إنه أمر ال يستقيم مع أنفة السياسين وطريقة التفكير في هذه املنطقة من العالم، وعلى بايدن -إذا أراد النجاح- العودة من الباب كما فعل روزفلت قبل ثمانن عامًا.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia